جون لينون: أغنية لم تعرف الحياد

«تخيل أنه لا وجود للحدود بين الدول، و أنه لا داعي لأن تقتل أو أن تموت من أجل أي شيء..

تخيل أن كل الناس يعيشون الحياة في سلام، ستقولون إنني أحلم، ولكن أظن أنني لست الوحيد، وأتمنى أن يأتي يوم وتشاركني هذا الحلم.

وتصور أن لا وجود لملكية، لا طمع ولا جوع، فقط محبة الإنسان لأخيه الإنسان.. تخيل.. ستقول إنني أحلم، ولكن أظن أنني لست الوحيد، وأتمنى أن يأتي يوم وتشاركني هذا الحلم»..



أغنية، كتبها ولحنها وغناها المغني العالمي البريطاني الأصل جون لينون، الذي كانت ولادته في ليفربول في التاسع من تشرين الأول عام 1940، أما رحيله فتم اغتيالاً في نيويورك عام 1980 على يد مهووس عاشق لفرقة البيتلز يُدعى «مارك ديفيد تشامبان» والذي صّوب على لينون خمس طلقات أردته قتيلاً...


جون لينون:

إنه المغني العالمي والموسيقي والشاعر والعازف، الذي يجذب إلى ضريحه كل عام مئات المعجبين بفنه وبصوته الحر، فهو الفنان الوافر بالإحساس، اللاقط للتفاصيل، والمنتمي للحياة، التي في سهو منه أو منها، رحل..

رحل عاتباً.. ولكن عمره لم يعرف التعب، فقد كان روحاً لا تخضع.. وجسداً محموماً بالاتقاد..

وأغنية تخفق بالندى.. ولكنه رحل.. رحل عاشقاً لزهرة تعرف الذبول، لكنها تبقى.. وتعرف الغفو ولكنها تسهر.. ولأنه من الحياة، عاشها من الغسق إلى الغسق، فكتب أغاني متمردة متشوقة ومهمومة ومسحورة بالخطا.. وبالهمسات، وبالأوجاع، فجذبت سطور أوراقه كلمات لم ترتدِ الخمول، بل كست حروفها بالأسئلة، وتزنرت بهالات رفض لكل ازدراء للنفوس أو استخفاف بالعقول، واختارت الانحياز إلى الشمس، فليل أمريكا يُسقط النجوم، أما هو فلم يرتجف، بل حمل أوراق أحلامه وسار بها باتجاه الضوء، فغنى ضد الحروب ضد العنصرية، وغنى للحرية، وغنى للسلام.

كان ناشطاًً من أجل الحرية، فوقف ضد الحروب التي تفتعلها أمريكا خارج الحدود .. وكان مناهضاً لها في ممارساتها العنصرية داخل الحدود.. هذه أمريكا التي رفضت إذاعتها الوطنية أن تبث أغنية لـ«لينون» يتحدث فيها عن التمييز والتفرقة التي تعانيها المرأة الزنجية عام 1973، ولكن لينون استطاع، وبوجود جمهرة حاشدة من مؤيديه ومناصريه، أن يطلق هذه الأغنية وسط الساحة في حديقة ماديسون في نيويورك، بثها وغناها وغنى معها أغاني أخرى تكشف عن التعذيب التي تمارسه السلطات الأمريكية داخل سجونها، والتمييز الذي تتبعه في منح الإقامة أو الجنسية. فضح العنصرية وما يعانيه الزنوج من تفرقة واستغلال، وغنى للحب والسعادة، وللأخوة بين البشر..

لينون مع البيتلز (1960-1970):

لقد كانت البدايات غنية بالأحداث المرهقة والصعبة، خصوصاً أن التقنيات الحديثة لم تكن متوفرة، وكذلك أمكنة التدريب، والتسجيل كان يتم في الهواء الطلق.. ولكن وبعد التطورات التي حصلت أصبحت غالبية الأعمال تتم داخل الأستوديو، ورغم الصعوبات إلا أن روح الدعابة والسخرية التي كان يتصف بها لينون كانت تخفف من وطأة التجارب القاسية، وكانت الأغنيات تغنى بشكل جماعي باستثناء بعض الأغاني التي غناها جون ضد الحرب التي شنتها أمريكا على فيتنام، فقد غنى «give peace a chance» أعطي السلام فرصة عام 1969، وأغنية عقاب فوري «Instsnt karma»، وأغنية «cold turkey»، وقد تميزت علاقة جون لينون مع بول مكارتني بالود والاتفاق، بل إن الكثير من الأغاني كانت من تأليفهما، وقد سجلا عدداً من الأسطوانات مثل «My Bonnie-1961» و«Love Me Do»، وقد جُمعت أغاني جون – مكارتني في ألبوم « Please Me» في عام 1963. وقد استمرت الأمور على ما يرام إلى وفاة مدير الفرقة براين ابستون 1967 واستلام باول مكارتني للإدارة، فلم يعُد جون لينون راضياً عن نتائج بعض المشاريع التي كان يديرها مكارتني ومن الطريقة التي كانت يتعامل بها أعضاء الفرقة تجاه يوكو اليابانية التي أصبحت زوجته الثانية فيما بعد، ومن هنا بدأت علاقته مع الفرقة تعاني من تخلخل سيؤدي لاحقاً لانفكاك العقد الذي يتم تأجيله حتى تفرغ الفرقة من انتهاء تسجيل أغنية « let it be»، وقد أعلن عن انفصال لينون عن الفرقة وبشكل رسمي عام 1970. هذا الانشقاق الذي كلفه بعد عشر سنوات، طلقات رصاص من يد حاقدة أدعت الجنون!!.

الاغتيال

بعد الانفراد، غادر لينون بريطانيا وسافر إلى أمريكا –نيويورك و أطلق فيها ألبوم: «plastic ono band» وأغنية «God» وألبوم Imagine» 1971» الذي ضم مجموعة أغان كان من بينها أغنية الغلاف (التي قدمت كلماتها في أول المقال)، وقد تميزت مرحلة الانفراد بالشفافية والتمرد والعبث البريء، وبالوضوح السياسي، فلينون لم يكن معطل الحواس، بل كان منحازاً وبشكل نافر للضمير الأخلاقي، وأدرك أن اللقاء بين الوعي والهوى هو الذي يؤسس لمُسلمة التجلي والخلود، لكن انحيازه أسس لاهتمام ولكنه من نوع آخر، اهتمام تخوض جنونه قوى تعيش من تعب وأنات وظلم البشر، وتقلق من براءة ملامح وُتستفز من لفتة ناقد، فستدعي أحقادا كامنة لتنسف الآمال والأحلام، وتأتي بمجانين ومهووسين يغتالون الفرح والأغنية. فيرحل جون لينون قبل الأوان على يد ذلك المدعي في نيويورك وأمام منزله وعلى مرأى زوجته، فيغيب صوت ذلك الفنان الذي لو قدر له العيش لزمننا هذا، لغنى وبوجع أكبر عن بلاد فيها الكثير من الحكايا، وعن مدن فيها الكثير من الخفايا وعن أحلام أخرى تعاني من تضييق لا حدود له للحدود.

■ بثينة رشيد