خزامى رشيد خزامى رشيد

جمهور تقسمه الفضائيات على هواها

استطاع شهر رمضان تقسيم جمهوره، فضائيا، وفق الأعمال الدرامية المتوزعة مابين المحطات الفضائية العربية العديدة، فهاهو جمهور (باب الحارة)، وجمهور (الملك فاروق)، وجمهور (قضية رأي عام)، ( سلطان الغرام)، (نقطة نظام)، (رسائل الحب والحرب).... وغيرها من الأعمال السورية والمصرية والخليجية التي وقعّت حضورها على أجندة المحطات الفضائية التي أصيبت هي الأخرى بعدوى التقسيم الذي يعيشه عالمنا العربي، فكل محطة فضائية أصبحت تعبر عن انتماءات مموليها الفكرية والسياسية،

وأصبح مذيعوها ومذيعاتها يتنافسون في تهيئة مشاهديهم للاندماج بروح وفكر منظريهم السياسيين، بوسيلة الاحتيال على معنى ومضمون المغزى الضمني لسرد الوقائع، وطريقة كشف وتحليل الواقع، والمشاهد العربي رغم تحييده عن لعبة المناظرة الحوارية، إلا أنه ومع كل صوت جديد لمحطة ناشئة أصبح قادرا على استيعاب و تلمس و اكتشاف ومقاربة حال هذه المحطة، أو تلك، من حال مموليها ومنظريها، ورغم تقارب سرد الأحداث والوقائع التي تسيطر على واجهة محطاتنا الكثيرة في عالمنا العربي، إلا أن طريقة بث الخبر وتحليله واختيار المتحاورين، توحي بذلك التقسيم الحاصل، ما بين كل محطة وانتماءاتها، فالتقسيم نفسه الذي زج المشاهد، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تفاصيل تلك الاختلافات والفروقات، بين توجهات المحطات التي يتابعها يوميا، فأصبح هناك جمهور للعربية، وجمهور للجزيرة، وجمهور للحرة، وجمهور لأبي ظبي، وجمهور للمستقبل، والمنار، والمحطة السورية الفضائية، وتلفزيون فلسطين، وتلفزيون الأقصى، إذ أصبح لكل مشاهد محطته التي بات يستعرض رأيه ووجهة نظره متكئا على ما ترصده وتقدمه، ولعل أكبر مثال على تلك الاختلافات، ذلك التباين الشديد ما بين تلفزيون فلسطين الذي يمثل صوت السلطة الفلسطينية، وتلفزيون الأقصى الذي يمثل حركة حماس، حيث أصبحت تلك المحطتين، في عداد المتنافسين في رصد الحقائق والوقائع وتفسير تبايناتها، ممهدتين لاختلاف عميق بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، أضف إليها المحطات العراقية الجديدة، والأمثلة على التناقض في رؤية المحطات الفضائية السياسية واضحة وصريحة وباستطاعة أي متابع اكتشافها بسهولة، ناهيك عن الاختلاف الذي يقسم المحطات الإخبارية، هناك تقسيم نوعي تخصصي ، بين ماهو ديني ورياضي وفني، فكل محطة أصبحت في لهاث لاستقطاب جمهورها وزجه في أتون فلكها التخصصي ، المحاولات مستمرة وذاهبة باتجاه تأجيج مشاعر جمهورها الذي يتلقف لأفكار المحطة التي تتناسب مع روحه وتفكيره، بالإضافة إلى هذا التقسيم، هناك تقسيم في النوع الواحد، فالمحطات الفضائية الفنية، توزعت أيضا ما بين محطات متخصصة للكبار كمحطات روتانا (طرب ) و ( زمان )، وما بين محطات الشباب التي لا تعد ولا تحصى ، والتي باسم توجهها للشباب، تحللت وتفننت بالجرأة والإثارة متناسين، أي القائمين على الإعلام، خطورة تأثير كل ذلك على مستقبل شبابنا الذي تنادوا وتباكوا لأجل هذا المستقبل.
كل هذا التناقض و التباين يوحي بأهمية دور الإعلام في عصر الصورة الرقمية، والتي رغم ديمقراطية تنوعها وحرية اختيارها، إلا أنها توحي بتحيز وتأطير وتسطيح كبير، الأمر الذي يدفعنا للتنويه لإعلاميينا، ومثقفينا، بحجم مسؤولية العمل، من خلال ممارسة النقد الإعلامي المتنور، لتقدير آثار نتائجه وتفاعلاته، الإيجابية منها والسلبية، على جمهورنا العربي المنقسم ما بين تقسيم محطاته.