الفنان السوري والصحافة: سوء تفاهم أم لامبالاة؟
تتسم علاقة الصحفي السوري بالفنانين بالكثير من سوء الفهم، وصعوبة التواصل، واللامبالاة والعداء. قلما يفهم الفنان السوري أنه شخصية عامة، وأن جزءاً من عمله ومن طبيعة عمل الصحفي أن يكون متجاوباً مع كل الاستفسارات، وأن لا يخلق معوقات للتواصل، أن يكون مرناً رغم انشغاله بساعات التصوير الطويلة، وأن يتعامل مع الصحافة باحترام ومصداقية ووضوح، بل أن يسعى لبناء علاقة طيبة مع الإعلام خصوصاً المكتوب منه، لأن ذلك لصالحه أولاً وأخيراً، ولأن الصحفي يقوم بعمله ولا يبحث عن الإزعاج والتسلية. لكن الفنان السوري قلما يكون واعياً لأهمية الصحافة، التي تصنع حضوره ونجوميته، وتحفزه لتقديم الأفضل، بل أنه لا يتذكر الصحافة إلا حين تورد رأياً سلبياً في عمل من أعماله، وكأن مهمتها تتمثل في تبجيله فحسب، حتى مع أعمال من الصعب الدفاع عنها.
يتعامل الفنان بتوجس مع الصحافة، وينظر إلى عملها كنوع من الحشرية، فيتكتم ويناور، أو يسعى لممارسة ضرب من الفوقية مع الصحفي المسكين، الأقل دخلاً وشهرة ونجومية، ويبدو مستعداً لتلقينه الدروس، مع أن ثقافة الصحفي قد تتفوق على ثقافة الفنان بأشواط. مرجعية الصحفي السوري مرجعية ثقافية في الغالب، فهو ليس صحفي ترفيه وفضيحة، والدراما السورية مع مؤسسيها الأصيلين في ولادتها الثانية أواخر الثمانينات، قدمت نفسها كنتاج ذي بعد ثقافي، وحفزت ضرباً من الصحافة الجادة للتعامل معها، لذلك صار من الصعب التراجع نحو صحافة ثرثرة ومديح مجاني يحصل عليه الفنانون السوريون بوفرة من الصحافة العربية الحسنة الطباعة. الروح النقدية للصحافة الفنية السورية هي مما يميزها، سواء مارس الصحفي السوري عمله في منابر سورية أو عربية، وهذه الروح ضرورية للفنان ومفيدة، إذ أنها تصوب عمله، وتمنحه رؤية أكثر وعياً حول أعماله وأعمال زملائه. الصحفي ليس خصماً للفنان، لكن بعض الممثلين يعيشون أدوار البطولة التي يلعبونها في الواقع، فيتحولون إلى شخصيات نافذة، ويتصرفون في حياتهم وفي علاقاتهم كرجال العصابات، بدلاً من أن يقدموا أنفسهم كوجوه ثقافية. لذلك يصير (التطاول) عليهم نوعاً من إعلان الحرب، مع أن الفكرة البديهية لكونهم يقدمون إنتاجاً متاحاً للجمهور تعني أن يتوقعوا ردوداً وآراء تتخذ شكلاً مكتوباً ومحترفاً في الصحافة، فعمل الفنان ليس شأنه الشخصي، وخطوة في مراكمته لثروة، بل عمل مشبع بالدلالات والمعاني، وعمل اجتماعي، قد يكون ضاراً أحياناً، أو سخيفاً لا أهمية له على الأقل.
حركة درامية نشطة، تستوجب بالضرورة حركة نقدية موازية، وليس ذهاب الدراما السورية في اتجاهات انتحارية، وانزلاقها نحو مشاريع عبثية، وتحولها إلى أداة بيد من يشاء ومن يدفع، إلا الدليل على كونها تسير دون وعي للهدف، ليس لدينا في سورية مجلة فنية متخصصة حتى الآن، وكل الأموال التي تنفقها شركات الإنتاج والمؤسسات الإعلانية والإعلامية، لم يكن ممكناً أن يخصص جزء بسيط منها لهذه المهمة الجليلة والرابحة أيضاً. ربما آن الأوان لتأسيس علاقة أرقى بين الصحافة وصناع الدراما التلفزيونية، وتوفير منابر عصرية لتتخذ هذه العلاقة شكلها البناء والمغني للطرفين.