عمر كوجري عمر كوجري

طَرَف من فظائع المستعجلين طواويس وأقزام بأنَوات مُتَورِّمة

أكثر شيء في هذه الحياة مدعاة للشفقة والحزن حينما يتنطع واحدنا لممارسة مهنة أو مصلحة ما حتى يقيم الدنيا، ولايود أن يقعدها، ويبدأ وبسرعة تفوق سرعة الصوت بحرق المراحل كلها دون أن ينتظر الزمن والظرف والشرط التاريخي ليصقل موهبته، ويتبحر في أسرار المهنة التي يود الكسب منها، أو إذا نظر إليها قريبة من اهتمامه كهواية، فيبدأ ذلك الشخص المريض، وبدعوى أن الزمن لايرحم المترددين أو الخائفين بتبديد أوهام الصبورين الذين يتلذذون بنار ألقهم التي لاتنطفئ أمام الريح الناعم، وتصمد أمام العاصفة العاتية التي لاترحم هشاشة الأوراق وكسلها، ويعملون بعيدين، ومبعدين أنفسهم عن الأضواء البراقة والخادعة في أحيان كثيرة.

 أولئك المستعجلون ينظرون بعين الشذر والسخرية إلى الصبورين الذين تكون مغانمهم على الغالب الأعم مغرية وكثيرة، وغلالهم عامرة وطافحة بالديمومة .. أولئك المستعجلون في كل شؤون حياتهم يسيرون كالطاووس وسط محيط يرونه في غاية الدمامة والقبح، ويغالون في تبجحهم، ومشيتهم على الأرض مرحاً إلى حد التنكر لمعروف الآخرين، وعض الأصابع التي قدمت له مساعدة ذات يوم في لحظة ينطفئ فيها مصباح الوفاء والمروءة.

ولعل هذه الآفة« والتسمية صحيحة ودقيقة» تنتشر أكثر ماتنتشر وسط العاملين في قطاع الكتابة والإبداع، فما إن يكسر مسؤول تحرير دورية مغمورة رقبته باقتراف عمل شنيع وهو نشر مادة بائسة لأحد هؤلاء الجهلة المتثاقفين، أو يكسر ظهره بنشر قصيدة طفئة صدئة مستعارة الوجه واليد واللسان من نيران الآخرين حتى ينفجر ذلك الكاتب « المبدع» في وجه عباد الله، ويعلن دون حياء أنه الوريث الحقيقي لكل القامات الكبيرة في حقل الكتابة، وأن من حقه أن يرفع الأقدمون والمعاصرون واللاحقون له القبعة تكريماً، واحتفاء بتجربته الكتابية الفذة

وهو مازال في طور التكون الجنيني، ولا يكون قد قرأ إلا كتاباً سريعاً هنا، ومقالة مبتسرة هناك، ويشطب بكل فظاظة على تجارب مجايليه، ويتهمهم بقصر النظر والحسد لأنهم لايحيونه على طريقة اليوغا، و لايقدمون الذبائح، والقرابين للآلهة التي قدمت تلك« العبقرية الفذة» في عصر عز فيه ظهور العباقرة والأفذاذ. بل يتمادى ذلك المريض بالشطب على كل تراثه الثر والغني من علوم وآداب ومعارف، ويتنكر للتراث الإنساني برمته، ويتهمه بالقصور والتفاهة، واعتبار كل ماسلف وماخلف من ركام الماضي والحاضر الذي يشكو السطحية والضحالة، وعندما تسأله: هل سمعت بطوق الحمامة، والشعر والشعراء، والأمالي؟؟ يأتيك جوابه على شاكلة نكتة تقلب على جنبيك من الضحك، فالرجل لم يسمع قط بابن قتيبة، ولا بابن حزم الأندلسي، ولا بأبي علي القالي قدر ماسمع، وتثقف، وتفتقت عبقريته الخارقة الحارقة على يد الممثلين والمطربات اللواتي يغنين بأجسادهن لا بحناجرهن، وبعض كتاب الانترنيت الذين يكتبون عن برغل أمهاتهم ويصلهن الحرِّيف، ودجاجها البلدي.

بودي أن أستعين بالذاكرة في هذا المقام بإحدى القامات الإبداعية التي تبخل العصور بمقدمها كل حين وهي قامة الشاعر العظيم « محمود درويش» فحين استلم الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة للإبداع العربي قبل سنتين قال على ما أذكر أمام المحتفين بشعره وإبداعه في حالة إنسانية راقية، وتذكر لكل ذي فضل عليه: لاتنقصني النباهة إن المصادفة السعيدة هي التي اختارتني لهذا التكريم، وإن الكثير من الشعراء يستحقون الجائزة قبلي، وأنا إذا قبلتها – تصوروا – فإنني إذ أقبلها نيابة عنهم، وتعلمت منهم جميعاً أكثر من حرف وأكثر من سطر، فالشاعر الذي يعتقد أنه الكاتب الوحيد لقصيدته خاطئ، والشعر كتابة على كتابة.

درويش الذي وسم الشعر العربي ببصمته، ويعدُّ عبقرية فذة على مستوى الإبداع الإنساني عامة، وأنقذ الشعر العربي من بعض ركامه وترهله، واختط لنفسه نسقاً إبداعياً دائم التمايز والتحليق والسمو يقول هذا الكلام المفعم بالدفء والروعة، وتواضع الكبار... فماذا يقول أولئك المتورمون بداء العظمة المقيت؟؟

ماذا يقول أولئك المصابون بداء الأنا المتورمة؟؟

ليقرؤوا حرائق الكبار، ويستفيدوا من دروس الحياة منهم، أو فليكسروا أقلامهم، ويكتبوا إبداعهم المخصي لحبيباتهم الوهميات، ويريحوا رؤوسنا من كل هذا العي والعت!!