في رحيل جورج حبش مريض فلسطين يموتها!
وفيما تشارف قضية فلسطين على الذكرى الستين لنكبتها، أغمض جورج حبش عينيه على مشهد فادح، هو أيضاً نكبة عشرون أو مائة في سيرة النكبات الفلسطينية.
مؤسياً وفادحاً كان المشهد الأخير: حصار يتفنن في تحويل ما تبقى من البلاد إلى زنزانة. ضياع بوصلة البندقية. انقسام البيت الواحد على نفسه. ثوار يصيرون ملوك طوائف من أجل دويلات، لا يهم إن خسروا في سبيلها على الجبهة الأساسية.
جورج حبش المريض من رحلة نضال طويلة، بدأت في عيادة للمسحوقين، مروراً بتأسيس حركة القوميين العرب، إلى الجبهة الشعبية، مثل المسيح على درب الآلام ينوء بصليبه لكنه يكمل مسيرة الخلاص. هكذا لم يجد هذا الطبيب إلا أن يمرض بفلسطين فيما يعالجها، وأن يموتها لتبقى حية!.
المرة الوحيدة التي رأيته فيها كانت مؤلمة. ففي حفلة تكريم للشاعر محمد الماغوط أقامه منتدى غسان كنفاني، تعانق الشاعر والمناضل. كانا كهلين وينوءان بتعب ثقيل عبّر عنه الماغوط متهكماً من الزمن وهو يلوح بعكازه مشيراً إلى عكازة الحكيم: عكازتان!! يومذاك عرفت كم هي باهظة وكبيرة: فاتورة الأحلام.
برحيل الحكيم تشتعل في الذاكرة مرايا: مخيمات «تنجب زعتراً ومقاتلين». اللاجئون أصحاب الحسم في قرار القيامة، يسار ثوري هو مشروع الغد. ثورة حتى النصر. جبهة شعبية للتحرير. شعارات على الجدران تعبر عن أفعال. وطن قريب. حياة حرة على وشك التحقق.
وبرحيله يتمزق المرء وهو يرى الواقع في حقيقته القاسية، وقد صارت الثورة بازاراً، والنضال مجرد لعبة قمار سياسية، والأنكى أن المآل كوميديا سوداء رهيبة، فكلما كثر الشهداء.. قلّ الوطن!.