هوية تائهة.. بين تلافيف «الهوية»!
لمعت عيون الحاضرين وتعلقت بشاشة العرض مفتونةً بما بادرتهم به الكاميرا من ألعاب متقنة، أقنعتهم (لدقيقة واحدة) بأنهم أمام واحد من الأفلام السورية النخبوية، لكن، وللأسف، ما إن بدأت ملامح السيناريو بالتدافع نحو آذانهم حتى بدأت آمالهم بالانهيار تباعاً في عتمة السرد البطيء ومتاهات الرسائل المشوشة والمشوهة في عرض لـ«حقٍّ» في هوية تاهت بين تلافيف سميت بالـ «الهوية»!.
بعيداً عن الألفة المكانية أو الزمانية، وعن أي سرد منصف للعنوان أو أداء تمثيلي يحاكي أبسط تطلعات الجمهور، راحت منظومة متجانسة من المفارقات الغريبة تحاور الناظرين في كامل مساحات الفيلم الفضفاضة والمتراخية، فمن «ناطق» كبير السن! إلى لهجات متباينة التلاوين! مروراًً بانبهار «فوزي» أمام مطر الكوانين في هضبة الثلوج!.. الخ.
تلخصت السمة الأساسية للعرض في التشتت بين واقع ضبابي وذكريات حادة الوضوح، مما أفقد البطولة أبعادها بين عاشق مبتسم ومغامر متفاجئ، وأفقد النص ترابطه وجنح به إلى الإطالة والتناثر الدرامي..
أما العدو المرابض على الحواجز، فأضحى لطيفاً متساهلاً، يمازح الأهالي، ويكيل بمكيالين متناقضين في فسحة زمانية شديدة الضيق، مما جعله أقرب إلى قلوب الجمهور من سائر الشخصيات المطلوب خلق التعاطف معها، والمترامية في زوايا العرض ليأكلها البهوت!..
المؤلم في كلِّ هذا هو أن تعود بنا السينما السورية إلى موضوع بالغ التعقيد دون أية مراعاة لهذا التعقيد، فالجولان ليس فيلماً ضيق الأفق همُّ مخرجه الوحيد هو التقاء عاشق، أطلق النار على نفسه، بمعشوقة تنحدر من عائلة لا تنجب إلا البنات! والهوية مع كونها حباً فإنها أكبر من جواب شخصي يُردُّ به على حاجز صهيوني! وتضحيات أبناء الهضبة أكبر من أن يعبر عنها بمشاهد قصيرة في «خرابة» يسهل حصارها، أو في عبور غائم لشريط الحدود.. الخ.
أضف إلى ذلك ما أوحى به الفيلم من هبوط غير مسبوق «حقيقةً» في سوية ومستوى الإنتاج السينمائي السوري، ذلك الإنتاج الذي يتصف أصلاً بندرته واقتصاره على دعم المهرجانات وعلى احتكارية «المؤسسة العامة للسينما».. للسينما، ومنحها حق إنجاز الأفلام لقلة غير موهوبة..
يحق لنا أن نسأل: هل يعبر فيلم «الهوية» عن هوية السينما السورية، أم عن هوية الهضبة المحتلة، أم يقتصر التعبير فيه على هوية أضاعها القائمون عليه؟! وهل هي حقاً هوية باهتة الملامح إلى هذه الدرجة؟! هل هذا هو واقع العلاقات الإنسانية في جولاننا المحتل؟!..
وختاماً، لا شكر على جهود المؤسسة العامة.. ولا أهلاً بـ«هوية» لم تحفظ هويتنا!.