تداعيات قضية القصائد في مجلة « إبداع» الفكر والأدب والفن على مقصلة التكفير
لم يفاجئنا ما حصل منذ فترة قصيرة في مصر، فقد نشر الشاعران حلمي سلام وعبد المنعم رياض قصائد في مجلة « إبداع » التي يرأس تحريرها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، فتصدى الداعية الشيخ يوسف البدري لهم، ورفع دعوى ضد الشاعرين واتهمهما بالزندقة والإلحاد والتعرض للذات الإلهية، وضد حجازي، أيضاً، لمساهمته بنشر تلك القصائد، وتمت مصادرة أعداد المجلة من الأسواق، وتلا ذلك الفتوى التاريخية لشيخ الأزهر (الجليل)، وهي فرض عقوبة الجلد بثمانين جلدة بحق الصحفي الذي ينشر أخباراً تمس بالأمن القومي، على خلفية نشر الصحفي إبراهيم عيسى خبراً في أحدى الصحف يتحدث عن تدهور حالة الرئيس الصحية، فتم اعتقاله من قبل السلطات وتوجيه تهمة التعرض لأسرار الدولة، والمس بالأمن القومي، فتضامن الشيخ الأزهري مع السلطات، وأصدر فتواه تلك، وتبع ذلك الكلام الذي تحدث به الشيخ الطنطاوي على قناة(mbc) قائلاً:( ليس هناك مخالفة للشرع في توريث الحكم في مصر) واعتبر ذلك حق دستوري للابن، وهي خطوة مباشرة في عملية التوريث التي يعدها مبارك لابنه جمال، رغم معارضة كافة الأوساط المصرية لعمالة هذا النظام، وتصنيفه ضمن دول الاعتدال التي تحاول جاهدة إرضاء أمريكا والقضاء على آخر مقاوم عربي.
ولعل تاريخ الأزهر شاهد على ممارساته السلطوية ضد المفكرين العرب، فمن الشيخ مصطفى عبد الرازق وطرده من هيئة العلماء على خلفية إصداره كتاب( الإسلام وأصول الحكم) الذي يتحدث عن الخلافة في الإسلام، والكاتب نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب بعد إصدار روايته (أولاد حارتنا) وتعرضه لمحاولة قتل، وقضية نصر حامد أبو زيد واتهامه بالردة عن الإسلام بعد إصداره عدة كتب وأبحاث إسلامية فتمت تفرقته عن زوجته نظراً لارتداده عن الدين الحنيف، إلى فتاوى أصدرها الأزهر بحق الكتاب والمفكرين المصريين والعرب أيضاً.
وطبعاً إذا كان حديثنا عن الأزهر فإنه لا يعني أن العالم العربي قد خلا من تلك الحركات الأصولية التي تحاول قتل الكلمة والفكر، ففي البحرين ومنذ مدة اتهم الأخوان المسلمون الشاعر قاسم حداد والفنان مارسيل خليفة بتقديمه عرض يوحي بإيحاءات جنسية لا تتلائم مع المجتمع العربي على خلفية عرض مسرحي راقص بعنوان(مجنون ليلى)، ومنع أكثر من عشرين كاتباً وشاعراً من الكتابة في الإمارات العربية المتحدة.
ولا يدل هذا إلا على ارتباط المؤسسة الدينية بالسلطة السياسية في مجتمعنا العربي(مصر نموذجاً) ويشكل الخطاب الديني أحد تلك الخطابات التي تحاول السلطة تخدير المواطن العربي بإظهار غيرتها على الدين من أولئك الذين يحاولون تشويهه.
يقول ابن تيمية ( لولي الأمر أن يقتل ثلث الأمة في سبيل إصلاح الثلثين الباقيين)، والأزهر يحاول جاهداً تطبيق الكلام السابق عن طريق الحركات الأصولية التي بدأت بالتكاثر داخل مجتمعنا العربي، مع أنهم لا يفقهون شيئاً بأمور الدين الإسلامي الذي يدعو إلى العدالة والمساواة.
فاليوم نحن بحاجة لوقوف حركات التحرر العربية جنباً إلى جنب لصد تلك الهجمة التي تقوم ضد الكلمة الحرة، ومحاولة بناء مجتمع حداثوي متحرر من ترسبات وميثولوجيات القرون الماضية، والوقوف بوجه تلك الفتاوى والحركات التي لا تمت لمجتمعنا إطلاقاً.