قيس مصطفى قيس مصطفى

مهرجان دمشق السينمائي في دورته الـ 15 ولكن ماذا بخصوص الجمهور؟

 (بعيون السينما نرى)، تحت هذا الشعار انطلقت فعاليات مهرجان دمشق السينمائي الذي استهل انطلاقته بحفل افتتاح مهيب، وبتنظيم عالٍ، على المستويات كافة، أضواء وورود في ردهة دار الأسد للثقافة والفنون، مع أن موظفي الدار يرمقون الناس بنظرات تثير الخوف، ولم لا فنحن نوسخ بأحذيتنا غير الفاخرة، سجاد بيتهم الفاخر، مصدر رزقهم، ونحن نعتبر أننا في رحاب الصرح الثقافي الأهم في سورية، ثمة أشياء تشبه ما نشاهده على الشاشات في هوليود: نجوم سوريون وعرب وأجانب يدخلون دار الأوبرا، ومصورو الصحافة يتقافزون بهمة لعلّهم يحصلون على صورة واحدة استثنائية، يفحمون بها رؤساءهم في مهنة المتاعب.

يعتبر مهرجان دمشق السينمائي أحد أضخم المهرجانات العربية، وكان يعقد كل عامين لمرة واحدة إلا أنه أصبح مهرجاناً سنوياً في سعي من إدارة مؤسسة السينما لأن يصبح هذا المهرجان عالمياً. صفة العالمية هذه لا يمنحها إلا اتحاد المنتجين العالمي الذي يطالب بصالات عرض سينمائية ذات مواصفات قياسية، ويشترط عدم وجود الرقابة على الأفلام.

في حفل الافتتاح ستكون هناك عروض فنية ممتعة لفرقة (سمة)، وثمة مشاهد تثير البهجة، بالإضافة للخطابات، والخطابات هذه لن تكون إلا من جهة وزير الثقافة رياض نعسان آغا، الذي أطال في كلمته، مما أثار امتعاض الجمهور.

سيكرم المهرجان أسماءً مهمةً، السيد محمد الأحمد سيظل على خشبة المسرح دون أن  يُظهر أي قدر من السعادة، سيكون رزيناً أكثر مما ينبغي، ولكننا نشفع له، فهو مشدود الأعصاب، والتوتر ظاهر تماماً على ملامحه الهادئة، عريفة الحفل سلاف فواخرجي لن تبلي حسناً على الإطلاق، وبصوت مرتبك ستتابع كلامها، وسيزيدها ارتباكاً ما ستفعله، للممثل الأمريكي المكرم جون فيليب  الذي سيتصرف كجنتلمان، وينحني لفاتنة الشاشة السورية ليقبل يدها. لكنها ستسحب يدها، غير آبهة بمشاعر الرجل ليتوجه بعد الإحراج للمايك ويقول بعربية تشوبها الركاكة:(إنشا الله)، وفهمنا منه أنه يعتذر وقبلنا اعتذاره، ولا نعرف إذا كانت نجمتنا قد فعلت مثلنا، مع أنها أحرجتنا كثير وفضحتنا (قدام الأجانب) كما يقال.

وقد كرَّم المهرجان أسماء عديدة، فقد تغيب كل من المخرجين الروسي كارين شاخنازاروف والإيراني مجيد مجيدي، كما كرمت الفنانة اللبنانية صباح التي غنت للجمهور الذي أطال التصفيق لها كثيراً، وكرِّم أيضاً كل من دريد لحام والأديبة السورية غادة السمان التي كانت في عداد الغائبين أيضاً، بالإضافة إلى ميرفت أمين والممثل الروماني مارسيل موريش.

الجمهور العريض الذي حضر الافتتاح، والذي كاد يسبب الاختناق، غادر الصالة بمعظمه ولم يحضرفيلم الافتتاح إلا نفر قليل منه. وافتتح المهرجان بالفيلم الروماني ( أربعة أشهر ثلاثة أسابيع يومان)، والفيلم يهاجم بشكل ما قيم الحياة التي تفرضها أنظمة الحكم الشمولية، من خلال قصة طالبتين جامعيتين، تحاولان التستر على عملية إجهاض تقوم بها أحداهما، وتتعرضان للابتزاز من الطبيب الذي سيجري العملية، هذا الفيلم الحاصل على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان 2007، هومن إخراج كريستيان مونغيو، الذي حصد جائزة نظيرة لجائزة المخرج البوسني أمير كوستاريتسا. 

جمهور المهرجان سيخذله في اليوم الثاني فلن يقبل على الحضور بكثافة، وثمة ما يثير الحزن لولا متعة الأفلام التي أُحسن اختيارها، ويبدو أن هذا الجمهور والذي كان غالباً من فئة الطلاب لن يكون بوسعه الحضور المستمر بعد(لبرلة) دار الأسد وتحويلها إلى مؤسسة ربحية، كما أن هذا الجمهور الذي تلف حياته الكثير من المنغصات الإقتصادية، سيعزف عن الحضور لأن لا وقت لديه للبحث عن المتعة.

في اليوم الثاني للمهرجان سيوزع في المكتب الصحفي للمهرجان في فندق الشام كتيب المهرجان وملصقه، أعضاء المكتب الصحفي يتعاملون مع الناس باشمئزاز. لا نعرف لماذا؟ ربما هم لم يستوعبوا بعد القصف الناري الذي شنه سينمائيو سورية التاريخيون متمثلين بالمخرج محمد ملص، في التحقيق الذي أجراه الصحفي راشد عيسى لصحيفة (السفير) حيث طالب القائمين على المهرجان أن "يستحوا" على أنفسهم لأن بلداً ليس فيه انتاج سينمائي لا يستحق أن يكون فيه مهرجان سينمائي كما قال.

المشاركة السورية كانت ضعيفة هذا العام من جهة الأفلام، فالفيلم السوري "الهوية" للمخرج غسان شميط لم يلق القبول من الجمهور.

فهو إذ يتحدث في فكرته العامة عن الجولان السوري المحتل لم يستوف شروط الفيلم السينمائي الجدير بالمشاهدة، وهو مؤشر على تردي حال السينما السورية، خصوصاً إذا ما قورنت بنظيرتها الفلسطينية التي تشتغل على قضايا الأرض والنضال الوطني، فالسينما الفلسطينية حققت إنجازات مهمة تجسدت بإنجازات المخرجين إيليا سليمان صاحب (يد إلهية) وهاني أبو أسعد صاحب فيلم (الجنة الآن) الذي زاحم أهم أفلام مخرجين عالميين. وأما الإطلالة الثانية للسينما السورية فستكون من خلال فيلم المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في فيلمه "خارج التغطية" الذي لم يتح للجميع مشاهدته بسبب الطوفان البشري الذي داهم القاعة الرئيسية في دار الأسد.

من جهة أخرى يقترح الكثيرون أن يسمى المهرجان بمهرجان الفراعنة، نظراً لكثرة الضيوف المصريين. وبسبب الاحتفاء الشديد بالسينما المصرية

وأما بالنسبة لبقية نشاطات المهرجان، فثمة تظاهرات عديدة هي: المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة،تظاهرة سوق الفيلم الدولي، تظاهرة النجمة الألمانية مارلين ديتريش، وتظاهرة المخرج السويدي إنغمار بريغمان صاحب الفريز البري والختم السابع، بالإضافة إلى تظاهرة المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني، وتظاهرة السينما المصرية والجزائرية وسينما الأطفال بالإضافة إلى تظاهرة السينما السورية متمثلة بتظاهرة المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، وتظاهرة الثنائي دريد ونهاد.

الغريب أن الجمهور، وإن شهدت بعض العروض مشاهدة غفيرة، لم يكن متفاعلاً مع المهرجان بالشكل الذي ينبغي أن يكون.