جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

عرض من أجل الناس أيمن زيدان يعود إلى المسرح

الإطلالة المفاجئة لنجم التلفزيون الفنان أيمن زيدان على خشبة المسرح القومي في سورية بعد انقطاع طويل، أعطت دون أدنى شك، لهذا المكان ـ النموذج، الفقير وشبه المهجور ـ شيئاً من الحيوية، وساهمت في دفع شرائح مهمشة وبسيطة من المجتمع السوري لارتياد المسرح القومي، ربما للمرة الأولى في حياتهم.. وهذا أمر يحسب لأيمن زيدان الذي منحه التلفزيون جل ما يرجوه من حضور وشهرة ومال، بغض النظر عما يمكن أن يقال عن الطريق الذي سلكه العرض، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون..

 أيمن زيدان حضر في مسرحية «سوبر ماركت» ، ليس كممثل وحسب، بل كمعد ومخرج، والأهم من كل ذلك أنه حضر باسمه اللامع الذي استطاع رغم المبلغ الهش المرصود للحملة الإعلانية للمسرحية الذي لم يتجاوز الـ 1000 دولار، أن يستقطب،على الاسم وحده، جمهوراً كبيراً لا صلة حقيقية تربطه مع المسرح غير التجاري.. ساعده في ذلك الفتور الدرامي الذي يصيب المحطات التلفزيونية العربية في مثل هذه الأوقات من السنة..

تدور أحداث مسرحية «سوبر ماركت» للكاتب الإيطالي اليساري داريو فو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1997 والملقب بـ«ملك المهرجين»، في أحد الأحياء الإيطالية الفقيرة، في أواسط القرن الماضي، وتتركز على حدث بارز، وهو قيام مجموعة من النساء الفقيرات ومعظمهن من زوجات عمال وموظفين، بمهاجمة سوبر ماركت، وسرقة كل محتوياته من سلع غذائية ومواد تموينية، الأمر الذي سينجم عنه قيام الشرطة المدنية والعسكرية بمحاصرة الحي ومنع الدخول إليه أو الخروج منه إلا بعد تفتيش دقيق، ومن ثم اقتحام البيوت، وقلبها رأساً على عقب، بحثاً عن المسروقات. وهنا تلجأ النساء إلى حيلة غير متوقعة، إذ يقمن دونما اتفاق معلن أو مسبق بإخفاء المسروقات في بطونهن، تحت ثيابهن، بادعاء أنهن حوامل، وهكذا يجري نقل المسروقات إلى أماكن آمنة.

وفّق زيدان بإسقاط أحداث المسرحية على الواقع السوري بجدارة تامة، رغم إبقائه على أسماء العلم الإيطالية، أسماء الأماكن والأشخاص، ورغم محافظته على محاور وتفاصيل تختلف بظروفها كثيراً عن الواقع العربي المشرقي..

يقوم زيدان في المسرحية بتأدية دور عامل منضبط تماماً، يحترم القانون، ولا يتحرك إلا تحت المظلة النقابية، ويرفض، خوفاً أو قناعة، أي عمل معارض للنظام، ولكنه شيئاً فشيئاً ينسف كل قناعاته السابقة عن النزاهة والاستقامة، مع تصاعد الحدث الدرامي، ومع تفاجئه بأن رب العمل سيطرد قسماً كبيراً من العمال من المصنع الذي يعمل به، وسيخفض رواتب البقية الباقية منهم بتواطؤ مع الحكومة، ولا يجد هذا العامل الشريف نفسه في النهاية إلا وقد تماهى و(تورّط) مع زوجته التي كانت إحدى زعيمات النساء اللواتي قمن بسرقة السوبر ماركت، مبرراً ذلك بأن الجوع والفاقة والعوز أقوى من كل القيم..

العمل أعدّ وشُخّص باللهجة المحلية، وهذا قلما حدث في المسرح القومي بسورية، وقد استطاع أن يقول ما لم يقل من قبل على الخشبات المسرحية السورية، ولكن يُؤخذ عليه أنه أفرط في التهريج، وسعى في كثير من الأحيان إلى الإضحاك المجاني عبر افتعال مواقف خارجة عن النسق العام للمسرحية..

وقد غلب على أداء أيمن زيدان على الخشبة نزعة تلفزيونية واضحة، ولم يتجلّ حسه المسرحي الرفيع الذي تميز به في أوائل الثمانيات من القرن الماضي إلا في ومضات قصيرة..

شارك في تجسيد شخصيات المسرحية بالإضافة لأيمن زيدان كل من الفنانين: محمد حداقي الذي برع في مجموعة أدوار أوكلت إليه في العرض، وشكران مرتجى المتميزة دائماً، وفادي صبيح، وغيرهم.. وما تزال المسرحية تقدم على خشبة مسرح الحمراء التابع لوزارة الثقافة السورية، بحضور جماهيري لافت، وربما غير مسبوق، وبغياب شبه كلي للمثقفين السوريين الذين لم يرق لغالبيتهم العرض جملة وتفصيلاً..

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 14:28