خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين «بدوي حاف»

كان الشاعر الراحل محمد سليمان الأحمد اختار أن يوقّع أشعاره باسم «بدوي الجبل»، فيما أطلق محمد الماغوط اسم «البدوي الأحمر» عنواناً لآخر كتبه.

أما أنا – من دون مقارنة- بالطبع، فـ«بدوي حاف»، وهذه العبارة بدأت تلتصق بي في هجائيات صبيانية متتالية كنوع من الشتيمة والعار، وصرت مقتنعاً بأنني البدوي الوحيد في الوسط الثقافي السوري، فأينما التفتُّ أجد مسرحياً فرنسياً من القلمون، وروائياً إيطالياً على صلة قرابة بإيتالو كاليفينو من قرى حلب، وآخر ألمانياً من سلالة غونتر غراس من الشاغور، وناقداً هولندياً من الرقة، وقاصاً أسبانياً من أبناء عمومة سرفانتس من حمص، وشاعراً بلجيكياً من الدرباسية. هكذا صرت أعيش وحدةً وعزلة لا تطاقان، فحين أتجه إلى مقهى الروضة أضطر إلى الجلوس في ركنٍ منزوٍ، أتسلى بحل شبكة الكلمات المتقاطعة في جريدة «غارديان كفرسوسة» كنوع من التمويه، وفي محاولة عابثة لتغيير جلدي، وعلى أمل ضعيف بتحسين لغتي الانكليزية، كي أفهم ولو عبارة واحدة من جواهر برنارد شو حلب، الذي يحتل الطاولة المجاورة، أو أن أنصت لما يقوله صموئيل بيكيت مساكن برزة بخصوص مسرح العبث، وما طرأ عليه من تجديدات حداثية، أو أن يوقّع رامبو نهر عيشة نسختي من ديوانه، لكنني سرعان ما أحس بالضجر والعزلة، فأتسلل إلى مقهى الشام، وأختار طاولة على الشباك بالقرب من براد بيت طرطوس، ومايكل دوغلاس درعا، وفرجينيا وولف تدمر، متمنياً التفاتة ولو عابرة نحوي، كي أكحّل عيني بنظرة من هؤلاء العباقرة. في الواقع، فإن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ذلك أنهم يكتشفون بداوتي على الفور، فألملم نفسي وأشرد في الشوارع، وحين أشعر بالتعب، أجلس على رصيف سوق ساروجة، أدخّن أحزاني، وأدعو من الأعماق، أن يعبر غابرييل غارسيا ماركيز ركن الدين، أو شكسبير جرمانا، أو جان جينيه صحنايا، كي أسمع من أحدهم جملة مفيدة يقولها عرضاً للمعجبين. أكمل طريقي إلى المركز الثقافي الفرنسي فأتفشكل بالباب كالعادة، ذلك أنني بوغتت صراحة، أكثر من مرة، بخروج رودان دمّر البلد وهو يرطن بالفرنسية برفقة بيكاسو الشيخ محيي الدين، ووراءهما سيمون دوبوفوار الطبّالة، وفكرت لحظة بتعلّم الفرنسية عسى أن أزوّر نفوسي وأتخلص من بداوتي. لا عزاء..لا فائدة.. دمشق لا حاجة لبدوي مثلي بين هذه السلالات الزرقاء.. هكذا أعود إلى خيمتي في ساحة الشهبندر، أندب حظي العاثر، ثم أستل نايي وأعزف آلام الهجران، وإذا بالذئاب تحيطني من كل جانب!

آخر تعديل على الأربعاء, 31 آب/أغسطس 2016 01:50