سادنة الهزائم والانتصارات حقيبتي أنا
سادنة الهزائم والانتصارات حقيبتي أنا
صرت أعرف بحقيبتي، وبما أنها صارت شبه بطاقة شخصية لي لم أعد قادرأً على التخلي عنها، وتمسكت باللون الأسود كملحق للبطاقة وهي هنا لاتحقق للمتعرف إلي قصة كاملة، إذ لايعرف هذا الطارئ الجديد أهي حقيبة محام، أم مطهر أولاد، أم حقيبة صحفي، ويكتفي الجميع، ومن ضمنهم بعض سكان الحارة التي أسكنها بالقول: صاحب الحقيبة السوداء. وحديثاً إضافة عبارة: الشعر الطويل. مما أضفى شيئاً من الغموض على شخصيتي فأمعنت بدوري، وبالغت في اصطياد هكذا تعريفات، بل أني لا أبالغ إذا قلت إني أفرح بعبارة: (الحقيبة السوداء) لما لها من البوليسية أكثر من(شاعر)أو(صحفي) وهكذا اهتممت بهذا الكائن الجميل غير العاقل، أو العاقل، الذي يرافقني، أينما ذهبت، فلا يعاند ولا يرفض الزائر إلى جوفه، ولا يتوجس خيفة، وقد يحشر في أماكن ضيقة قبلي، أو يجلس هو وأظل واقفاً دون أن أنزعج من ذلك، على العكس تماماً أسر وأبتهج وأكون ممتناً للشخص الذي أودعته إليه، فأعود وأراه في المكان الذي يليق به، ذاك وفى بعهده، وحقيبتي كانت أمينة على ما يجمعنا من الود داخلها، سادنة هزائمي وانتصاراتي، وجيوشي التي من ورق، وأوهامي، مخلصة لكل ما يعبئ جوفها كأنهم أولادها البررة، لا أنكر بأني كثيراً، ماأنظر إليها على أنها رحم يحفظ كتابتي إلى أن ترى النور، وبيت أسرة يجمع الأولاد تحت سقف واحد، وتحت هذا الفهم أقربها من المرأة كثيراً، كثيراً ومن إلهات الخصب، والملكات، حتى اكتسبت خبرة عالية على غير عادتي، في معرفة حملها، والحفاظ عليها وعدم نسيانها في الوقت الذي يمكن أن أنسى قطعة من جسدي لو لم تكن معلقة بي، لم يحصل يوماً أن نسيت حقيبتي ربما أتركها أحياناً بقصد، ولم يحصل أن أخطأتها، من أول ماحملت حقيبة صغيرة وبخجل تسع القليل من الورق، ثم أكبر، تسع ورقاً وكتباً، فأوسع لأضع فيها الورق، والكتب، والمشط، والمنشفة، والجرائد، وفرشاة الأسنان والمعجون، وأشياء أحرص على ألا يراها الآخرون، حقيبتي في ظل عدم استقراري وتشتتي، وعدم وجود جغرافيا تستوعبني، ولا تضيق بتنقلي الدائم كان من الطبيعي ألا تكون هناك مكتبة خاصة أقف أمامها فأتناول بأرستقراطية ما أريد من الكتب، حقيبتي صارت مكتبتي. وعلى هذا فأنا عندما أخّير بالهدية من الأصدقاء أو الأقارب، خارج البلد وبدون تفكير وحيرة أختار حقيبة، ويجب أن تكون سوداء، وعلى مدار سنوات تخليت عن كل الهدايا لصالح السوداء، حتى أن عطاياي لكثرة ماتأتيني شملت بعض أصدقائي، مؤخراً أتمسك بواحدة علها تستمر معي، تجمعنا الحميمية، بأن تغلي عليّ، كلما عتقت فلا أرى عيوبها المتمثلة بالتمزق أو بهتان اللون، إلا تحولاً إلى التأبد والأثرية، ما يزيد في غناها المعنوي، وتخرج من حيزها إلى تشكيل ذاتها، وعلاقتها الخاصة بشخص معين، وأكون مشدوداً إليها هي بعينها لا غيرها.
حقيبتي أنا
فكلما سئلت عنها، ضربتها على سفحها، هذه أنا، هنا أنا، والذي يعرفني يدرك أني أقصد أوهامي(الكتابة) كما يطيب للبعض أن يسميها، وللحقيقة فإني لا أتذمر من هذا السؤال لأنه لايسأل منتظراً إجابة حقيقية وقاطعة بل أن الأمر كما في الكتابة يحتمل الانزياح، وربما هذا هو الجميل في المسألة مايجعلني واسع الصدر، رحباً، إلى الآن لايشوب العلاقة بيني وبينها نفور أو استياء رغم أني أفقد ثقتي بكثيرين ممن يحيطون بي و بها، ومجبر على مجاملتهم والابتسام على مضض كلما رأيتهم
حقيبتي حبيبتي
لا أعير حقيبتي لأحد كما أنها مهما ثقلت، لا أطلب أن تحمل عني فأرتاح قليلاً، ليس من باب القول الشعري لمحمود درويش « ماذا يثير الناس لوطويت خصرك في الطريق / وحملت عنك حقيبة اليد والمظلة»، حقيبتي ليست حقيبة يد بالمعنى اللفظي، حقيبتي حبيبتي، أغار عليها، والديوث فقط من يهب الآخر حبيبته، أرجو أن أكون بحجم الحب، فلا أفرط بالعلاقة القديمة «وما الحب إلا للحبيب الأول» لأن انطفاء أحدنا في روح الآخر، الثاني، يعني ضياع تاريخ شخصي كامل، وبصراحة، لأني العاقل في هذه الثنائية أحاول توطيد العلاقة وعدم الخسران، ودائماً أبحث عن بدائل وتصرفات تقربني من حبيبتي / حقيبتي السوداء.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.