قصص «نهنهات الشيح » لوفيق أسعد تحويل القصة إلى قصيدة
برز الشاعر والقاص وفيق يوسف على الساحة الأدبية قبل عقد ونيف من السنين، كأديب لا يهتم بالنشر كثيراً. برز وعنده قضية واحدة يريد تحقيقها، والعمل على تقنيات غير معروفة، هكذا كان ولا يزال في مجمل أعماله. ومن خلال كتابته القصة القصيرة أخذ بعين الاعتبار كل تطورات، و تقنيات القصة الحديثة في مجال أسلوب الكتابة خلال مواضيع الزمان، والمكان، والأفعال، والضمائر، والحجم، والتقديم، والتأخير، وأساليب الخطاب، والحوارات، والبعد عن الإنشاء، والسرد المجاني، ثم فهم قضية الكتابة الأدبية بشكل عام. وبأن القصة وغيرها من الفنون الأدبية ليست للاستهلاك اليومي، وللوظيفة المباشرة. بل لها مهام أكبر، وأوسع، وأغنى من ذلك. وبأنها تبحث عن تقديم الجديد، وغير المعروف وأنها تبحث عن الكينونة الذاتية، والجماعية خلال الوجود، تسعى للكشف، والإجابة عن الأسئلة الكونية الكبرى. إلى آخر ما هنالك من مفهومات، ومواضيع في هذا المجال.
وفي هذه المجموعة التي بين يدينا ماذا وجدنا من كل ما أشرنا إليه؟
عنصر التشويق في المجموعة وجد بشكل بيّن، فقصص المجموعة مشوقة تجر القارئ إلى الاستمرار في القراءة، والمتابعة، وعلى التأمل فيها، ومحاولة المشاركة في أحداثها، ودروبها. والتشويق عنصر عام من عناصر القصة القصيرة، وهو عند الكاتب تشويق فني وليس عادياً، لقد أدخل الكاتب في المجموعة عنصر التقطيع الرقمي ففيها ست عشر قصة معتمدة على التقطيع الرقمي، وهذا العنصر عنصر حديث في أسلوب الكتابة القصصية يدخل إليها أبعاداً جميلة، وغنية. وهو من التقنيات الجديدة في هذا الفن، وما يؤكد لنا أن الكاتب يحاول تطوير كتابته، وتقنياته دائماً. هو انتقال الكاتب بحرارة من مقطع رقمي إلى آخر بشفافيته وتواتر أكثر.
أكثرية القصص في المجموعة تحتوي على الحوار الخارجي، وهو عنصر متمم في أسلوب القصة القصيرة الحديثة، حتى أن هناك قصة كلها حوار خارجي وهي قصة «من أجل قبلة... قنبلة فقط».
والحوار الخارجي لغة جميلة من القص، تخلصه في إسار السردية والعادية ومن التقليد. والحوار الخارجي هو تواصل بين إنسان معين والأشياء الخارجية، والذات الخارجية، أو بيني وبين الآخر، أو بينك وبينه إلى آخر ما هنالك من حوارات.
ولقد وجدت بعض الحوارات الداخلية، والحوار الداخلي هو حوار راقٍ، بين الذات والذات، لنبش الأعماق و الوجدان، وهو تقنية حديثة في كتابة القصة القصيرة، تساهم في سبر أعماق النفس.
وفي المجموعة أسلوب التقطيع العنواني، أي أسلوب العناوين الفرعية أي لكل مقطع عنوان فرعي خاص. وجاء ذلك في قصة واحدة هي قصة «الأصابع وعث المذراة»، وقد جرب القاص هذا الأسلوب وكان تجريبه جيداً، فقد حلى ذلك تلك القصة وبعث فيها روحاً جميلة.
الكتابة بالأسلوب الشاعري في القصة القصيرة أسلوب حديث، يجمل لغة القص، ويعطيها أبعاداً خيالية حلوة، وهذا الأسلوب من ضمن تقنيات الكتابة الفنية، وهو يرفع من فنية العمل. وفي «نهنهات الشيح» محاولات للكتابة بالأسلوب الشاعري، ولكن محاولات القاص كانت تصطدم بقضية تحويل بعض القصص إلى شعر، أي ن تصبح القصص قصائد.
أكثر نهايات القصص في المجموعة نهايات مغلقة، وهناك قصص نهايتها مفتوحة. ولو كانت كل القصص مفتوحة النهايات، لأعطت القارئ مساحات واسعة للتأمل، ولوضع النهاية التي يريد، وهو أسلوب أفضل وأحلى.
للعناوين أهمية كبرى في تقانات القصة القصيرة حيث لم يعد العنوان فقط عنواناً للدلالة ولمفتاحية القصة، أو لفهمها من عنوانها، بل أصبح يساهم في فنيتها، وله مساهمة فنية في إعطاء جمالية خاصة لها.
وأتت الأكثرية من العناوين في المجموعة عناوين موحية ساهمت في جمالية القصة، عناوين المجموعة عالية المستوى، ولكن في بعضها افتعال من حيث اللغة، واللعب على اللفظ، ومن خلال التأمل يدرك القارئ أن الكاتب أتعب نفسه في انتقاء العنوان.
مجموعة «نهنهات الشيح» للقاص و فيق أسعد فيها تطوير، وتقنيات حديثة، وفيها تجريب، وبحث عن طرق، وأساليب حديثة للكتابة في هذا الفن الجميل ـ القصة القصيرة ـ ومن قراءتها يتبين لنا عمل الكاتب وكم بذل ليصبح عمله جديراً بالقراءة.