نقد حقيقي.. لا «كالعادة»
لست ممّن تغويهم الأنا بفتنتها الساحرة، ودائماً أردد بيني وبين نفسي أن ما أقوله صحيح ويحتمل الخطأ، وما يقوله الآخرون من خطأ يحتمل الصحة، جرياً على رأي الفيلسوف الشافعي.. ولكن ما أثار حفيظتي قليلاً هو ما ورد في صحيفة قاسيون التي أحترمها ـ حول محاضرة نقدية لي وللصديق الدكتور ماجد أبو ماضي في المركز الثقافي الروسي بعنوان «نقد كالعادة».. إذ جاءت الزاوية مغفلة من الاسم، وسأزعم أنها للصديق الصحفي رائد وحش باعتباره المحرر الثقافي في الجريدة.
فالعنوان يشي بالانتقاص من حق الناقدين، فكلمة «كالعادة» سخرية ولو مبطنة، وكأن لسان محرر المقالة «إن صحت التسمية» يقول: باليتنا ما استمعنا إلى هكذا نقد!!
وليس من الضرورة أن تجرى الأمسيات الأدبية على رأيين متناقضين، وربما لعبت المصادفة أن تأتي المساهمتان النقديتان على طرفي النقيض في الرؤية إلى البناء الداخلي والخارجي لعالم «مزار أبو طاقة» للكاتبة فاديا سعد.
والأمر الآخر هو التناقض في عرض وكلام كاتب المقالة «القصيرة جداً»، إذ أن الناقد لا يمكن له أن يكتب بلسانين متناقضين في النص النقدي الواحد، فإما يكتب نصه برزانة «كما ورد»، أو يكتب بطريقة انطباعية مدرسية، تشبه قراءات الكتب في صحافتنا المحلية، تلك الطريقة الأفقية التي لا أحبذها في كتاباتي النقدية وغيرها.
يقول رائد «على ما أزعم»: «بدأ كوجري مداخلته برزانة نقدية، وسرعان ما تخلى عنها تحت وطأة الانفعال، ليرخي العنان لانطباعاته السلبية».
أدّعي إن ما كتبته لم يدخل على الإطلاق في باب الانطباع السلبي، لأنني حاولت أن أستنطق نص الكاتبة من الداخل من خلال العتبة وانتهاء بالسرد والحوار غير الموفق، وكلاسيكية النص المطروح بطريقة كلاسيكية أيضاً.. وأردت أن أقول: إن الرواية افتقدت إلى التقنيات المطلوبة، وافتقرت إلى الموهبة الأدبية الخلاقة، وإلى التسطيح بمفهوم المتلقي، وأنا في آخر الأمر لا أضمر في داخلي مقتاً للكاتبة كإنسانة. فلم أتعرف إليها إلا في يوم الأمسية نفسه، وبالتأكيد لا توجد ثارات عائلية بيني وبينها حتى أغلّب الانفعال العاطفي والشخصي على المنطق والرزانة فيما كتبت..