اللغة العربيّة في عهدة النّسيان
من منا لم يقرأ( موت معلن) لماركيز، ولمن لم يقرأها أقول أن بطل تلك الرواية « سنتياغو نصار » عربي لا يتكلم العربية، لقد لاحظ ذلك الروائي العملاق قبلنا نحن العرب، أننا سرعان ما ننسى لغتنا العربية في المغترب. فلا سنتياغو نصار المتخيّل، ولا زين الدين زيدان أو جيمس زغبي الواقعيان، يتكلمون لغة الضاد ..
على خلاف معظم الإثنيات في العالم يظل العرب أسرع الأقوام نسياناً للغتهم في المهاجر، يخطر لي مثل إسباني يقول: يظل الإسباني يتعلم لغة أخرى طيلة حياته فلا يتقنها. وفي البحث عن أسباب نسيان العرب الأوائل في المهاجر للغتهم، أظن أن من الصعب الإحاطة بالأسباب كلها ،لكن، كان لعجز العرب عن تكوين هوية وطنية جامعة ـ على الأقل بالمعنى السياسي ـ وبقاء تلك الهوية هلامية التكوين، إلى اليوم، وإيمان معتنقيها رجراجاً غير خاضع لقيمة مقدسة معتبرة ناظمة للوجدان الجمعي للعرب عبر التاريخ، كان لذلك الدور الواضح في خلق تلك الظاهرة ولابد من الإشارة إلى أن المهاجرين العرب الأوائل كانوا محسوبين على التابعية التركية التي نكلت بالعرب في بلدانهم، وهذا ما أدى بهم إلى الانسلاخ الجذري عما هو شرقي وليس عربيا فقط. كما كان للانتماءات الفرعية للعرب الدور الكبير في تعزيز الظاهرة، فمن مؤيدين للفرعونية إلى مؤازرين للقومية السورية، إلى متحزبين للأمازيغية يذوب الولاء للعروبة وللغتها. ولا بد من ذكر تساؤل ظل يحيرني طويلاً.. هل تحمل الشخصية العربية قلقاً مزمناً، دفعها هذا القلق للتمادي في ردود أفعالها بعد أن أنهكها الانتماء اللا مجدي؟ فهي (الشخصية العربية) لم تكن يوماً عالمية الانتماء، بل هي في الغالب منتمية لأضيق الولاءات ، فاقتصت من لغتها...وأفرغت تلك الشخصية جام توترها على أضعف مكوّن لها وهو اللغة.. يبقى هنا قول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حاضراً دائماً: النسيان غربال ثقوبه كبيرة يرمي منها العقل الأشياء التي يراها بلا أهمية.. هاهو يتبين أن أهم مكونين للشخصية العربية، عصبية الدين وعصبية العشيرة.. انظروا حالة العراق. وهذه الظاهرة ستتفاقم أكثر مع إهمال المؤسسات والدول العربية لأبنائها المغتربين، ومع الدراسات الحديثة الداعمة للدولة القطرية والمدافعة عن اللهجات المحلية، ولهذه الدراسات منظروها ومتلقفوها في مراكز البحث الغربية وستعمل على تعزيزهذه الظاهرة بين مغتربي الأجيال الحالية والقادمة ...