عن فيلم عبد اللطيف عبد الحميد «خارج التغطية» أم خارج المقصود؟!
بعد صدمتنا بالـ «الهوية» قلنا: لابد سيكحّلها «عبد اللطيف».. لكنه للأسف أعماها، وتبعه رتلٌ من المطبّلين المزمّرين، المطروبين بما اقترفت يداه من ضوضاء مشهدية لا سابق لها في السينما السورية، اللهم إلا «الهوية»!..
زعم المطبّلون أن الفيلم أثار ما لم يُثر قبلاً، بتناوله لقضية معتقلي الرأي في سورية، لا بل وأثنوا على دخوله «المعتقل السياسي»... من الباب الخلفي واضعين لمواراته حجّةً جاهزةً، ألا وهي الأسباب «الرقابية»، فأين هم من زعمهم هذا، وإلامَ هم يرمون؟!.
ببساطة، أتى (المشهد ـ المدخل) للفيلم، مع أغنية «داليدا» حلوة يا بلدي، ليضعا المُشاهد في جوٍّ من الأُلفة المكانية ـ الشعورية، عبرَ إجلاسه (ببراعة لا يمكن نكرانها) في إحدى كبينات أرجوحة دولابية (قلّيبة)، والمضيِّ به إلى أبعد نقاط التفاعل.. لكن، سرعان ما تراخت خيوط الجذب ليغدو المشاهد أسير حالة من التيه، أمام مشاهد يسودها التكرار بغير هدف، إلا ما ادّعاه «عبد اللطيف» بأن التكرار كان في الأماكن فقط، أما الـ «حال» فتختلف من حيث اللّحظة التي يعيشها الممثل، فلكلّ «حال» لحظتها النفسية والدرامية المختلفة عن الأخرى!..
أما الصداقة المثالية (المقترحة) بين عامر «فايز قزق» وزهير «نضال سيجري» والتي دفعت بعامر إلى تحمّل كامل أعباء عائلة السجين، فهي ما لم يتسنّ للجمهور ملامسته في أيٍّ من تفاصيل الفيلم الكثيرة التشتُّت، خاصّةً وأن زيارة ندى «صبا مبارك» لزوجها زهير في السجن أوضحت، وبشكل سافر، غياب ثقة هذا الأخير بصديقه عامر الذي غاب بدوره عن الزيارة، واكتفى بانتظار ندى خارجاً بحرقة المشتاق! ليعلن «عبد اللطيف» بذلك، انطلاق رحلة الخيانة الشائكة، واندلاع صراع الخير والشر في شخصيّة عامر غير المتزنة!.
ومن الجدير بالملاحظة، ذلك المشهد (الصحراوي) على أنغام «إلهام مدفعي»، حيث يُبرز المخرج عضلاته (الفيديو كليبية) بإرقاص ندى المجروحة من شكّ زوجها بها وبصديقه، ونزوحها (في الوقت نفسه) إلى دنيا هذا الصديق (الآثم) لملء فراغها الجسدي ـ العاطفي، وبذلك يَعمدُ «عبد اللطيف» إلى إضفاء تأثير (مضاف) على المشهد، لينقل المشاهد إلى عالم جديد، هو سرير العشق (البهيمي) الذي عدّه النقاد نقلةً جديدةً حقّقها «عبد الحميد» في السينما السورية، في حين كان يمكنه الاكتفاء بالرمزيّة التي تعطي السينما السورية نكهتها الخاصة الحقيقية.
أما سلمى «فدوى سليمان» زوجة عامر، فتعاني الأمرين على مدار الفيلم، من تيه زوجها ودورانه حول ندى، وحاجتها الملحة إلى تلبية رغباتها المكبوتة، مما يدفعها لتهيم باحثةً عن حلٍّ يأتي في النهاية معاكساً لكل المقدمات، فتكون غيرتها السبب الأساس والوحيد الذي ينقذ زهير (معتقل الرأي) من سجنه المظلم، رغم أن مجرد زيارته كانت حلماً يراود الجميع!.
أما دمشق ـ مسرح الأحداث، فتغيب عنها بساطتها المعهودة، ليتناولها الفيلم تناولاً دعائياً أقرب ما يكون إلى حملات الدعاية السياحية، أضف إلى ذلك، كثرة المشاهد الغرائبية التي يتغنّى المطبّلون بأنها جزءٌ لا يتجزأ من «لازمات» المخرج الإبداعية التي (وحسب قولهم) تشكّل علامةً فارقةً في السينما السورية! وبرأيي إن هذه اللازمات، ومنها الاتّكاء على الكوميديا لتغطية السطحيّة في التناول، كفيلةٌ بإفقاد العمل مقصده الأساسي (في حال وجوده) والذي خُيلَ للكثيرين أنّه تسليط الضوء على قضيّة معتقلي الرأي في سورية.. أم يكفي أن يحبَّ أحدنا (المرتديلا) الوطنيّة، ليقدم على أنّه أسير رأي في بلد تتنوع فيه الآراء لدرجة يصعب معها تمييز الوطنيِّ من غيره؟!
«خارج التغطية» عنوان جذّاب قصد به تسليط الضوء.. لكن علامَ؟! ببساطة أيضاً، لم يكن المغطّى واقع المعتقلين السياسيين، وإن طال الحديث عن عشر سنين يقضيها أحدهم في الأسر، بقدر ما كان المضاء تراكماً خيانيّاً، يبدأ بخيانة الذات، ويتصاعد، ليشمل المبادئ والصديق.. وينعكس في نهاية المطاف إحراجاً أخلاقياً يشوب كلَّ شخصيات الفيلم بما فيها الأطفال! ناهيك عن قصّة حبٍّ مرضيّة، لم تدفع بمتلقيها لمجرّد التعاطف مع أيٍّ من شخوص الفيلم المتهاوين (جميعاً) في قعر الاسوداد؟!