ربّما! قبر الزبيدي
حافظ أبو جمعة الزبيدي على منزله الطيني أكثر من نفسه، متحدياً الناس الذين طال اسمنتهم لطوابق، والسماء التي لم تكفّ عن إتلاف طين البيت بالمطر والثلج.
كذلك حافظ على مناداة الجميع بكلمة «خال»، مع أنّ أحداً لم يطمئن إليه، النساء لم يقبلن أخوّته، وأبناؤهنّ لم تعجبهم تلك الخؤولة. جسمه الذي لم يعرف ماءً، ولا استحمّ، له لمعان المازوت. تغوطه الدائم في تنكة، كلّما امتلأت فرّغها في النهر، أعطى بيته رائحة وكر الضبع.
يعرف كل شيء، الطعام وتدبير المنزل، الزراعة والصناعة والتجارة، الدين والسياسة كذلك، وهو في كلّ معارفه المدعاة شخص فلاحيّ، فضاؤه الحقل، فالصناعة، بحسبه، أشجارٌ نعنى بها فتثمر غسالات وبرادات وسيارات..الخ، نقطفها، وحين نبيعها نعفي أنفسنا من أعباء التجارة. أما في الزراعة فيده المباركة إن زرعتْ، أو سقت أو قطفت، تجعل حبة الكرز بحجم برتقالة، والبرتقالة بحجم بطيخة، والبطيخة تصلح أن تكون داراً لأكبر العوائل.
وضمن قائمة الإدعاءات هو رجل سياسة، لكن السياسة، بالنسبة إليه، تقوم على قناعته الراسخة بأنه يشبه ياسر عرفات، وكثيرٌ من الرؤساء والملوك والأمراء يقصدونه، عن طريق الخطأ، بمن في ذلك جمال عبد الناصر الوحيد الذي عرف أنه شخصٌ آخر، ولمّا أعجب به، وبكفاءاته، طرح عليه رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، وطبعاً رفض أبو جمعة لأنّه لا يسمح لنفسه بأن يكون السبب وراء قطع رزق «الختيار».
لا يقرأ ولا يكتب، وفوقها يدّعي إتقان الانكليزية.تقول إحدى أخبث الخبيثات في الحارة: «I love you»، فيرد على الفور: «عرفتها، هذه علبة كبريت». وحين يأخذه الغرور في إحدى الجلسات، حيث يعمد الساخرون إلى تحريضه بالمديح، فيعلن لهم عن استعداده لإلقاء خطبة الجمعة بـ(الإنكليزي). يسألونه، للضحك، زاعمين الشك: «ما معنى: إبريق، قميص، شبّاك؟؟»، يجيبهم، مستعيراً هيئة الخبير: «إبريقو، قميصو، شباكو..». القاعدة الأساسية لانكليزية أبو جمعة هي إضافة واو إلى أية كلمة عربية.
دائماًَ وأبداً هو مادة الضحك عند الناس، لا يرونه إلا مهرجاً يروّح عنهم وقت الفراغ، وفي انشغالاتهم ينبذون، ويلعنون رائحته وجنونه.
أخيراً فهم الزبيدي المعادلة فانزوى، لم يعد يظهر إطلاقاً. أكان عليه أن يشيخ ويهرم ليدرك أنه كان ميتاً طوال عمره، وذلك الطين الذي طوّب بيديه هو قبره.. ليس إلا..