مطبّات الوقت السوري المناسب
بما أن معظم مدننا وبلداتنا لاتوجد فيها مخططات تنظيمية تستوعب النمو السكاني، فقد اعتاد المواطن الفقير أن يدفع المعلوم، ثم يبني بيتاَ (على قده) في مناطق المخالفات، وبعد أن يسكنه، يذهب إلى البلدية ومؤسسة مياه الشرب ليسجل على عداد ماء، ثم إلى شركة الكهرباء ليسجل على ساعة كهرباء، معتقداَ أنه مواطن من هذا البلد ومن حقه على الحكومة أن تزوده بالماء والكهرباء، ولكن إذا لم يمد يده إلى جيبه (ويبيض فاله) بدفعه المعلوم لموظفي هذه الجهات، فإنهم سيشهرون في وجهه قراراَ صادراَ عن وزير الإدارة المحلية يمنعهم من تزويد مناطق المخالفات التي بنيت بعد عام 2003 بعدادات ماء وكهرباء، وبالتالي فعليه إما أن يدفع المعلوم أو أن يمتثل لقرار الوزير.
وفي المدارس الحكومية، يصل المدرسون كل صباح إلى مدارسهم تماماَ مع بداية الدوام المدرسي معتقدين أنهم نظاميون مائة بالمئة، ولكن في حال غضب مدير مدرسة ما من مدرسيه أو من بعضهم، فإنه سيضطر لأن يشهر في وجوههم قراراَ وزارياَ يوجب عليهم التواجد في المدرسة قبل بداية الدوام بربع ساعة، ويلزمهم بتطبيق هذا القرار عملاً بتوجيهات الوزير، وإلاّ فالعقوبة بانتظارهم.
وفي وسائط النقل اعتاد المواطن المدخن على عدم التدخين في وسائط النقل العامة، وبالأخص (السرفيس)، كما اعتاد أن يدخن عندما يستقل تكسي أجرة، فمعظم المدخنين ما إن يستقلوا تكسي الأجرة ويعلقوا في زحمة السير، حتى يخرجوا سيجارة من علبة سجائرهم ويشرعون بالتدخين، معتقدين أنهم طالما استأجروا سيارة بمفردهم، فمن حقهم أن يدخنوا، ولكن إذا عبرت هذه التكسي نقطة فيها شرطي مرور، لم يجمع بعد المبلغ الكافي لثمن وجوده في هذه النقطة، فإن الشرطي سيوقف التكسي، وسيشهر في وجه المواطن قراراَ يمنع التدخين في وسائط النقل العامة، وبما أن تكسي الأجرة تحمل لوحة عمومية، فهي مشمولة بهذا القرار، وعلى المواطن إما أن يدفع المعلوم، وإما أن يكتب مخالفة..
وفي معظم مؤسسات الدولة يذهب المواطن لتسيير معاملة، فيفاجأ بأن معاملته يعرقلها قرار أو مرسوم قديم، لايمكن تجاوزه إلا بدفع رشوة، فهناك آلاف من القرارات والمراسيم التي استنفذت الغاية منها، ولم تصدر قرارات لاحقة تلغيها، فبقيت هذه القرارات تستعمل بشكل كيفي كسلاح قانوني في أيدي الموظفين الفاسدين في معظم مؤسسات الدولة يشهرونها في الوقت المناسب، ويستعملونها كأوراق ضغط على مراجعيهم من المواطنين من أجل ابتزازهم، فلعبة فرد الأوراق في الزمان والمكان المناسبين هي لعبة سورية بامتياز تستعمل حتى على مستوى أصحاب القرار في بعض المؤسسات، كأن يتم تعيين شخص في موقع مسؤولية، رغم معرفة القاصي والداني بتاريخه الفاسد، ومع ذلك يتم الترويج له على أنه رمز من رموز النزاهة لدرجة يصدق فيها الرجل نفسه أنه نزيه، وفجأة.. وفي الوقت الذي يرونه مناسبا، ولسبب ما، لا علاقة له بفساده تفتح جميع ملفاته الفاسدة، ويعرى وكأنهم اكتشفوا الأمر للتو.
فهل يأتي الوقت المناسب لفتح ملفات جميع الفاسدين دفعة واحدة؟ وهل سيأتي الوقت المناسب لإلغاء كل القرارات التي لايعمل بها، أو التي انتهى مفعولها، حتى لاتساهم في خلق فاسدين جدد؟ لا نعتقد أن الوقت قد حان بعد..