فواز العاسمي فواز العاسمي

عن العروبة والإسلام

إلى اليوم لم تحسم قضية الانتماء عند الكثير من العرب، مقارنة مع أتباع الأمم النشطة.. هنا مجموعة من الرؤى أقدمها في مبحث جرت العادة أن يتم بين النخب الداعمة لكلا المشربين: العروبة والإسلام، بكثير من التمترس خلف مقولات لا يني مستخدموها عن اعتبارها غاية الفهم ومنتهى الإدراك. 

 بنظرة عجلى إلى مقومات الأمم الحية نجد أن انسجاما ما واقع بين المركّب الإثني الداعم لفكرة الأمة وبين المذهب الشعوري المكوّن لفكرة المعتقد، بمعنى آخر دين الجماعة القومية السائد، وهما لن يربكا الأمة في اختيارها لمذهبها الاقتصادي بحال من الأحوال، و بالنظر إلى ثلاث تجارب معاصرة: اليابان، الهند، الصين، نجد أبناء هذه الأمم الثلاث منسجمين وبأدنى درجات التشتت مابين الفكرة الشعورية والفكرة الإثنية، أي أن الهندي وإن كان مسيحيا أو مسلما (ولكن المسلم بدرجة أقل نتيجة لعوامل سأتطرق إليها)، ستجده هنديا أولا ثم أنه لن يتردد بالولاء للهند ضد باكستان أو الفاتيكان، حتى أن المفكرين عند هذه الأمم لا يكلفون أنفسهم في البحث عن أوجه اللقاء بين الشنتوية (وهي الدين السائد في اليابان)، والقومية اليابانية أو بين الهندوسية والانتماء للهند الأمة، أو بين البوذية و الشعور الجامع لدى الصينيين.. فالمسألة برمتها محسومة لصالح رؤية مصلحة الأمة في أي سمت وعند أي درجة تُستغَل إمكانياتها، وهذا لا يعني أبدا أن ولاء المسلمين أو العرب تشوبه رائحة من تشتت الولاءات، لكن منذ عشرينيات القرن الماضي بدأ فصم عرى الإسلام عن العروبة ـ فحين شهدت هذه الفترة امتدادات لفكر القوميين الأوائل كنجيب عازوري وبطرس البستاني وأمين الريحاني من المسيحيين العرب وهم من المركز العربي جغرافياً والذين لم يتوانوا لحظة عن اعتبار الإسلام قاطرة العروبة الأولى حال ارتدائه لبوس الحضارة ـ  وفدت مع الأسف في تلك الآونة وبعدها أفكار تحاول قومنة الدين فهو الدولة وهو عصارة الغيب الأزلي لا يقبل من قريب أو بعيد نقد أو تثليب، على اعتبار أن الكثير لا يفرق بين الدين كحالة إيمانية خاصة، وبين ما ينتجه الفقهاء من وعن وفي الدين أي الفكر والخطاب الدينيين، والمثال القريب أبو الأعلى المودودي وخلاصة أفكاره جعلت من الإسلام دين ودولة وأمة وهو من الهامش الإسلامي (مبدأ الحاكمية الذي تناوله علي عبد الرازق في الإسلام وأصول الحكم و نصر أبوزيد في نقد الخطاب الديني)، ليلتقط تلك الأفكار مفكر الإخوان في مصر (سيد قطب) في الوقت الذي كانت فيه مؤلفات المركز العربي الدينية والحضارية في الشام ومصر تتجلى بأعلى درجات المقاومة للمستعمر التركي والغربي ( طبائع الاستبداد للكواكبي ومؤلفات الشيخ محمد عبده).. وقد انتبه الفقهاء والدارسون المتنورون لمقولة أن نزول النص لسبب ما،لا يعني تعميمه على حوادث تتساوق مع ذلك السبب، بينما قال دعاة الغلواء (عموم اللفظ لا خصوص السبب)، ومن هنا رسم المشتغلون في الإسلام السياسي مبدأ الحاكمية متخطين  قول الرسول(ص): أنتم أدرى بشؤون دنياكم،فيستند الذين لا ينظرون بعين واعية لتاريخية النصوص الدينية ويهدرون في تأوليها هذا البعد التاريخي يستندون على مبدأ «لا اجتهاد مع النص»، غير أن الفقهاء اجتهدوا سابقا إبان الفتوحات العربية واعتبروا المجوس والهندوس وأتباع المانوية والزرادشتيه كأهل كتاب، رغم ورود نصوص صريحة بقتل المشركين، ولم تحدث يوما مجازر جماعية وقبلوا منهم الجزية، وكان الدافع وراء الاجتهاد مصلحة الأمة التي كانت ستصاب بالضرر دون شك لو تمت تلكم المذابح للقوى المنتجة في المجتمعات المفتوحة ..

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 22:39