لقمان ديركي لقمان ديركي

صفر بالسلوك يلماز غونيه

مع اسم يلماز غونيه في حياتي منذ أن كنت طفلاً صغيراً، فقد كان البطل المفضل لابن عمتي أحمد، كان أحمد يريني صورة يلماز غونيه وهو بزي الكاوبوي في لقطة من لقطاته الشهيرة في أفلام التيرسو التي كان يلعب فيها أدوار البطولة، لكن ذلك لم يكن يتعدى الانبهار بنجم في تركيا وهو يحمل الانتماء الكردي مثلي، كان يستوقف الشباب الكردي آنذاك ويجعلهم يفاخرون به، لكن أي شباب..

لشباب المهووسون بالسينما ومدمنو الأفلام الهندية وشامي كابور الهندي وجنيد أركان التركي ونسختهم الكردية يلماز غونيه، ثم وبعد أن دخلت الجامعة كان حضور يلماز غونيه صاعقاً في حياتي بل وفي حياة كل الشباب الأكراد الجامعيين آنذاك، فقد بدأت أفلامه الجديدة أو أفلام المرحلة الثانية من حياة يلماز غونيه الفنية مثل (سيد خان ـ القطيع ـ الأمل)، لكن قدوم هذه الأفلام إلى حياتنا جاء بعد أن حقق فيلمه (يول أو الطريق) الجائزة الكبرى في مهرجان كان، أي سعفتها الذهبية، وكان يتعرض لمضايقات من الحكومة التركية، كما أنه دخل السجن بسبب اتهامه بمقتل محافظ مدينة (ينيجه) الصغيرة، وأثناء وجوده في السجن استطاع أن يخرج فيلم (يول) بواسطة أوراق يكتب عليها مخططات التصوير كل عدة أيام ويتم إرسالها إلى مساعده زكي أوبتين، وانتهى زكي أوبتين من تصوير الفيلم وكان يلماز ما زال سجيناً، ثم هرب يلماز غونيه من السجن فجأة كما لو أنه في فيلم سينمائي، وذهب إلى اليونان ليجري عمليات المونتاج لفيلمه، ومن اليونان اتصل بالمسؤولين عن مهرجان كان الذي كان قد بدأ أيامه، وطلب المشاركة فتم له ذلك، وكان أن فاز بالجائزة الكبرى مناصفة مع فيلم لغوستا غافريس، وكان يقول إنه لم يشاهد من أفلامه بعد مونتاجها التجربة الأولى، فدائماً كانت هناك مشكلة تجعله يحضر الفيلم للمرة الأولى مع الجماهير، وعندما منحته باريس الجنسية الفخرية الفرنسية، ومنحته إنتاجاً ضخماً لفيلمه (الجدار)، قال يلماز غونيه إن هذا الفيلم هو الفيلم الأول الذي سأشاهد تجربته بعد المونتاج قبل الجمهور، وكان الفيلم يحكي عن تجارب مريرة للأطفال في السجون، وبعد أن أنجز تصوير الفيلم ومن ثم مونتاجه مات.. لم يشاهد التجربة كلها هذه المرة، ربما لم يكن بحاجة إلى ذلك، فقد تعلم يلماز غونيه أن يعمل داخل التعب، لم يكن يتعب، لكنه كان داخل التعب ذاته، كان فناناً مصراً ومثابراً وصبوراً ومبدعاً، وكان روائياً عظيماً، فكتب روايته الخالدة (صالبا) وكان تركياً كما كان كردياً، كان يلماز غونيه فنان الشعب التركي بعمومه، مثله مثل عزيز نيسن ويشار كمال وأورهان باموق وناظم حكمت، في هذا اليوم أتذكره عندما التقيت بشاب إيطالي في مقصف كلية الآداب في جامعة حلب وجلس معنا على الطاولة، وكانت ياللصدفة وأنا أعرفه على الشباب واحداً واحداً، الأول سرياني والثاني حلبي عربي من باب النيرب يا يوب، والثالث أرمني، والرابع أشوري، والخامس شركسي وأمه شيشانية، والسادس أبوه حلبي وأمه فرنسية وكان أوسمنا وأكثرنا جاذبية، ومحسوبكم كردو شخصياً، فإذا به يندهش من هذه الجمعة اللطيفة، ومن هذا التنوع العجيب، ومن هذا الكوكتيل اللذيذ الذي اسمه سورية، ثم بدأ يتحدث عن يلماز غونيه لسبب من الأسباب، وبدأ يحكي عن تعلق الإيطاليين بأفلامه فأخبرته إن كان يعرف أخبار يلماز الجديدة فأجاب بلا، فقلت له لقد مات، كان ذلك في يوم من أيام 1984، وبكى الإيطالي.