منار ديب منار ديب

«أسمهان» بين الأداء والغناء شوقي الماجري هو البطل الحقيقي للمسلسل

إذا كان «الملك فاروق» قد توّج في الموسم الماضي ملكاً للمسلسلات، دون استشارة أحد كما يتوج الملوك، بل بمعية آلة إعلامية ضخمة، معنية بالطعن بقيم وتاريخ ومهتمة بإبراز فضائل الملكية، والمستوى الفني آخر همها، بل هو مجرد وسيلة فعالة - علماً أن المستوى الفني للعمل يجب ألا يكون موضع تساؤل-  بالمقابل فإن «أسمهان» في هذا الموسم ليس بعيداً عن المقارنة مع أي مسلسل آخر فحسب، بل هو علامة فارقة في تاريخ الدراما العربية سيكون من الصعب تجاوزها، وعبر هذا العمل يؤكد شوقي الماجري أنه حالة إبداعية استثنائية وصاحب شعرية بصرية رفيعة، خاصة بعد أعمال كـ «الاجتياح» و«أبو جعفر المنصور».

المخرج التونسي الذي ظل يعمل في منطقة تدور حول التاريخ، يتعامل هنا مع مرحلة حديثة نسبياً ويعالج سيرة شخصية إشكالية بشكل لم يسبق إليه أحد في دراما السير، فهو مع مقاربته لهذا العالم المتنوع بظروفه الاجتماعية وبيئاته ولهجاته يمارس نوعاً من «بعث الماضي» ليخلقه حياً بين أيدينا، مستفيداً من سيناريو متقن وجريء، تكوّن من مشاهد متماسكة لم يعتريها ما يشوب هذا النوع من الأعمال عادة من رتابة ومتحفية، لم يقدم الماجري عملاً توثيقياً، رغم أنه استند إلى التوثيق في الأحداث السيرية والتاريخية الأساسية، كما في التفاصيل المشهدية من ديكور وملابس حتى وصل إلى دقة مذهلة. لكن هذا البعد الذي يشكل طبقة من العمل، ليس هو العمل.
يؤخذ على الماجري، اهتمامه بصناعة صورة مليئة بالإيحاءات والدلالات على حساب عمل الممثل، فهو هنا البطل الحقيقي للمسلسل وليس أي من ممثليه، الذين تفاوت أداؤهم، وتفاوت أداء كل منهم عبر مراحل العمل، فسلاف فواخرجي (أسمهان) لم تستطع أن تحقق حضوراً إلا بعد مرور عدد كاف من الحلقات، واختيارها للعب الدور، فيما نعتقد، جاء لاعتبارات تسويقية، فهي ممثلة سورية معروفة عربياً، خاصة أن جهة مصرية وأخرى عربية تشارك في الإنتاج، وفي المسلسل ممثلون لبنانيون ومصريون، واسم سلاف سيضمن للعمل انتشاراً، ولايكفي قدر من الشبه بينها وبين الشخصية الأصلية ليكون مبرراً، فأسمهان ليست صورة، بل عالماً، وسلاف التي تظهر في الحلقات الأولى أشبه بطفلة تتعارض مع أسمهان الناضجة مبكراً، والتي كان لها حضور امرأة طاغية الأنوثة، ومع بذل الممثلة السورية الشابة للمزيد من الجهد للاقتراب من عالم الفنانة الغامضة في الحلقات التالية، فإنها قدمت أقصى ما يمكنها تقديمه وهو متقدم إذا قسنا الأمر نسبياً إلى تجربة سلاف نفسها وإمكانياتها.
فراس إبراهيم أحد منتجي المسلسل، والممثل الذي لعب دور فؤاد شقيق أسمهان، حاز في العمل مساحة تبدو غير منطقية قياساً بصفته، إذ استهلكت مشاهد شجاراته مع أسمهان دقائق كثيرة وتحولت إلى خط رئيسي، وحصل فوقها على مشاهد تخص حياته الشخصية. والممثل الذي لم يحقق تواجداً لافتاً في الدراما السورية طوال سنوات، تقدم هو الآخر خطوة وإن لم يتخلص من تشنجه وعصبيته. فجماليات عمل الماجري تمكنت من التستر على عيوب الأداء، أو قل محدوديته لدى الكاست، أحمد شاكر في دور فريد، وورد الخال في دور علياء، نالا الاستحسان النقدي والجماهيري، لكنهما عملياً لم يوضعا في اختبارات أداء جدية، خصوصاً شاكر، فالمساحة المفترضة لشخصية بمكانة فريد الأطرش على المستوى العائلي والفني كان ينبغي بالضرورة أن تكون أكبر، فالعمل يتناول حياة فنانة، ومن الطبيعي أن تتمحور الكثير من مشاهده حول عالم الفن والغناء، وهو ما ظهر ناقصاً، فبالكاد تعرفنا على الشخصيات الفنية الكبرى، كما لم نشهد حوارات فنية كافية، أو تحويلاً للعالم الفني إلى دراما، الأداء الإبداع التجديد المنافسة النجاح.. وأسمهان خصوصاً مع عملها مع القصبجي وفريد الأطرش كانت من أكبر المجددين في الغناء العربي، وهي إلى اليوم المثل الأعلى للغناء النسائي في خيال المطربة العربية، بعبقرية أدائها وتعقيد تقنيتها. وعد البحري الصوت الجميل والقادر حرك الاهتمام لدى الأجيال الجديدة لاكتشاف إرث أسمهان الغنائي الثري، والمنسجم مع متطلبات الحاضر فهو يتكون من أغنيات قصيرة، ذات لمسة عصرية، لكن دراما ولادة هذه الأعمال وسياقها هو مالم نره بشكل عميق في المسلسل، ولم نلمس مالذي كان يعنيه الغناء لأسمهان، علاقتها الوجودية به، كمنفذ تعبيروحرية وطوق نجاة، وآلية للتحقق الذاتي والتفوق والخلود.
 
أسرار أسمهان

 حياة أسمهان القصيرة والمشبعة بعلامات الاستفهام، كانت موضوعاً للبحث في العديد من المؤلفات ككتاب فوميل لبيب «قصة أسمهان» 1962 ، وسعيد أبو العينين «أسمهان لعبة الحب والمخابرات»، وهو أحد مصادرالمسلسل كما يرد في شارته، أما كتاب محمد التابعي «أسمهان تروي قصتها» 1965، والذي يروي فيه الصحفي البارز وصديق أسمهان وقائع معرفته الشخصية بها، فقد أعيد طبعه مؤخراً من دار الشروق في القاهرة، تبعاً للفضول العام الذي أثاره المسلسل حول شخصية أسمهان، ويبقى كتاب «أسرار أسمهان» للباحثة العربية الأمريكية شريفة زهور، مصدراً رصيناً لا يكتفي بذكر الوقائع استناداً إلى عدد كبير من المصادر، بل يقدم قراءة نسوية حديثة لتجربتها، وتحليلاً موسيقياً اختصاصياً لإرثها. والكتاب صادر عن دار المدى 2006 .
المطربة العظيمة
في إطار سلسلة «أعلام الموسيقا والغناء في سورية» أصدرت الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون (الأوبرا السورية) ألبوماً يضم قرصين مدمجين يحتوي الأول 12 أغنية والثاني 13 أغنية لأسمهان، هي أبرز أعمالها بين عامي 1932 و1944 ، ويذكر غلاف الألبوم تواريخ الأغاني وأسماء المؤلفين والملحنين، وقد قدم للألبوم الدكتور نبيل اللو.