بين قوسين طفل مدلل!
يرى الكاتب الأرجنتيني أرنستو ساباتو أن إنسان اليوم يعيش في حالة توتر دائم وهو يقف وجها لوجه أمام الدمار والموت والتعذيب والوحدة «إنه إنسان الحالات المتطرفة، وقد بلغ أو على وشك البلوغ نهاية وجوده، والأدب الذي يصف أو يفحص لا يمكن أن يكون شيئاً آخر عدا كونه أدب الحالات الاستثنائية».
كتب ساباتو رأيه هذا قبل عقدين من الآن، أي قبل حروب الخليج وأفغانستان والعراق وفلسطين، وقبل اختراع الفضائيات العربية، وحروب القبائل على الشاشات، وقبل عشرات الفتاوى بما يجوز ولا يجوز، وقبل اختراع هيفاء، ونانسي، وروبي، وسارية، وقبل الأرقام والإحصائيات المرعبة لبشر ما تحت خط الفقر، وقبل ازدياد معدل الجريمة بما فيها جرائم الشرف، وقبل أن يصبح الفساد قانوناً عالمياً، والرشوة بنداً من بنود حقوق الإنسان، في معظم أنحاء العالم. في خانة الفساد الذي بات «آفة رسمية وممارسة شعبية» نقرأ حالات غرائبية تصلح لأن تكون في باب «أدب الحالات القصوى»، ففي بلد عربي توقف عن خدمة القطارات منذ عشرين عاماً، يعمل في مؤسسة خدمة السكك الحديدية(900) موظف، وفي بلد عربي آخر يرزح تحت وطأة حرب قبلية، منحت الدولة شركة وهمية عقداً خاصاً بإجراء دراسة حول مدى إمكانية بناء خمسة مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء في البلاد بملايين الدولارات. بالطبع هناك أمثلة كثيرة من بلدان أخرى عن تفشي الفساد بطرق حداثية جداً (بالمناسبة احتلت بلادنا المرتبة الرابعة عربياً في الفساد)، وهذا إنجاز لا يمكن تجاهله إلا من أصحاب النفوس المريضة. الفساد إذاً، بدأ بحجم فأر مختبر وترعرع وتربى في الدلال ليصبح اليوم وحشاً بمخالب، يقابلك في تكسي الأجرة بسبب تعطل طارئ في العداد، وفي الدوائر الرسمية، وفي باب الحب والعلاقات العاطفية، وفي أنغام التحية لأصحاب السطوة، والنبرة الشرسة لمن هم أضعف منا، وفي النقاش الذي يبدأ ديمقراطياً وينتهي بالشتائم والتهديدات والفضائح.
الفساد بدأ بشتلة ضالة نبتت تحت مطر عابر، وإذا بها تتحول إلى مشتل ضخم، لكافة أنواع الخدمات.
الفساد طفلكم المدلل فأرضعوه حليب المسرة!