الدراما السورية.. وتحدي «ما يجب أن يكون»
يُفرط الإعلام عموماً، والمحلي منه على وجه الخصوص، في مديح الدراما السورية بوصفها الأجرأ والأعمق والأكثر تكاملاً بين شقيقاتها العربيات. ويرتكز المداحون، سواء أكانوا نقاداً أو صحفيين أو فنانين من شتى الاختصاصات، في إطلاق مدائحهم على فتوحات هذه الدراما على الأصعدة كافة طوال أكثر من ثلاثة عقود، وارتقائها إلى مستويات متقدمة جداً شكلاً ومضموناً في العقد الأخير تحديداً..
والحقيقة، أن قسطاً وافراً من التقدير الكبير للمنجز الدرامي السوري الذي يتعاظم في المواسم الدرامية، له مبرراته الموضوعية، إذ يفرضه تميز جملة العناصر المكونة له من نصّ وإخراج وأداء تمثيلي وعمليات فنية وسخاء إنتاجي.. بالإضافة لكونه على الغالب، منجزاً تقدمياً منفتحاً على فضائه العربي عملياً ووجدانياً، وليست لديه أية عقد تجاه الآخر/ الشقيق الموهوب، الذي وجد لنفسه مكاناً رحباً وموقعاً ثابتاً في معظم الأعمال الدرامية السورية.
ولكن كل ما سبق مع ما يحمل من إيجابيات حقيقية فعلاً، لا يمكن أن يدفع للتسليم بأن الدراما السورية قد قامت بالكثير مما يمكنها القيام به فنياً وإنتاجياً، أو أنها تصدت لأبرز المواضيع التي يجب أن تتصدى لها اجتماعياً وثقافياً، فمع غياب المشروع الثقافي الوطني التحرري الجامع والواضح محلياً وعربياً، تعمل هذه الدراما، شأنها شأن بقية الفنون الأخرى، بشكل عشوائي دون أن تكون لديها منهجية أو منطلقات أو غايات محددة بشكل جدي، ودون أن يكون لها تصور واضح حول ماهية الدور والوظيفة، ودونما إدراك واع وعميق لطبيعة العوامل المؤثرة فيها كالرقابات والجهات الإنتاجية وذهنية المشاهد والتطور الجاري السياسي والاجتماعي عربياً وعالمياً..
ولعل هذه العوامل مجتمعة هي التي أدّت وتؤدي إلى تعثر الكثير من الأعمال الدرامية السورية من حيث عمق الطرح وشكل وأدوات العرض، وإلى الاستمرار في محاباة المنتجين و(المناورة) تحت سقوف الرقابات أو على حدودها دون توسيع الهوامش، وإلى الوقوع في التكرار غير التراكمي، وإلى الميل للاستسهال أحياناً في التعاطي مع مجمل العناصر الفنية الأساسية والثانوية..
والحال كذلك، فقد آن لمجمل القائمين على الدراما السورية، المبعثرين فكرياً ومؤسساتياً، الذاتيين غالباً، أن يعملوا جدياً لإيجاد إطار جامع يؤمّن لهم الحد الأدنى من التنسيق النظري والعملي والفكري والمنهجي والإنتاجي والحقوقي، ويضمن لهم إمكانية الاستمرار في العطاء والتقدم والتميّز.. وآن للدراما أن تنطلق من الضرورات المفروضة وثقل التحديات، لا من الإمكانيات المتاحة الآن وظروف الماضي المتبدلة التي وعوها ذات زمن مضى، فالعالم يغلي بالمتغيرات ودرجة تسارع الأحداث لا تسمح باستمرار الاعتماد على (الاكتشاف التاريخي) للفراغات التي كانت موجودة تاريخياً بسبب قصور وهشاشة الدرامات العربية الأخرى، وجاءت درامانا لتملأها، بل يجب أن يدرك كل العاملين في مجال الدراما أنهم غير محايدين تجاه أي قائم أو متغير، وأن دوراً كبيراً يمكن أن يقوم به منجزهم إن استطاعوا فهم ما يدور حولهم على المستويات كافة..
قال نجيب نصير مرة: «الدراما السورية (هبلة) وكل شيء فيها افتراضي..»، وبغض النظر عن مدى دقة هذا التوصيف، فالمطلوب من هذه الدراما اليوم أن تكون ذكية جداً.. وإلا سيعد كل ما أنجزته حتى الآن، مجرد طفرة.. وتنتهي..