رائد وحش رائد وحش

ربما!: أطفالنا سكّان الكهوف

بات الطفل العربيّ يعيش في غربة عمياء، فهو يشاهد أفلاماً وبرامج ومسلسلات لا تمت بصلة نسب إلى واقع حياته اليوميّة، ولا تشبه ما يراه. هكذا فقد الأطفال الحميمية، وأخذهم التغريب الرقمي إلى منتأيات قصية عن أنفسهم، هذا ما فعلته مسلسلات: "البوكيمون" و"التاليتابيز" و"أبطال الديجتال" وألعاب "البلاي ستيشن"، خلافاً  لما كنا نجده، نحن الأجيال السابقة، في عالم الرسوم المتحركة، حيث كنا على تواصل مع روائع الأدب العالميّ، ونفائس الأفكار الإنسانية، في آن.

ضمن هذا المشهد القاتم يبرز برنامجا "افتح يا سمسم" و"المناهل" كدرر حقيقيّة، باتت مفقودة الآن، بعدما قدمّت للطفل العربي، وخلال تاريخ طويل، حياة افتراضيّة على تماس واشتباك مع الحياة الحقيقيّة. ولعلهما البرنامجان الوحيدان اللذان ساهما في تشكيل وعيّ جيل كامل، عبر خلطة فنية عملت على مزج الدرامي الممتع بما هو تثقيفيّ وتربويّ.
من ينسى شخصيات: البائع عبد الله، نعمان، ملسون، قرقور... في (افتح يا سمسم)، والمخترع العبقري، زيد وعمر، القارئة السريعة، أبو الحروف وخربوط... في (المناهل)؟؟ تلك الشخصيات الجذّابة كانت تجرّ الطفل، عبر المتعة، إلى فضاء آخر، حيث يقف وجهاً لوجه مع دروس لغوية، وقيم خلقيّة، تعيد تكوينه بشكل يبني الشخصيّة، ويؤهلها للنهوض بهوية ثقافيّة عربيّة. المميز في هذين البرنامجين ـ اللذين هما نسختان من برامج عالمية معروفة ـ هو تقديمهما بشكل مبيَّأ، حتّى بدت وكأنها عربية المنشأ والصنع، فالدمى في (افتح يا سمسم)، والرسوم المتحركة في (المناهل)، لعبتا دوراً أساسيّاً في تطويب مشهد فاتن، سيكون بمثابة الإطار لتمرير المعلومة والقيمة. هكذا سيفوق المسلسل دور المدرسة في شحن الوعي، وسينافس الأسرة على تأثيث مساحات الألفة والحبّ في النفس. من هنا ربما تكمن الأهمية البالغة، أكثر ما تكمن، في الجانب النفسي، حيث تُعزز القيم النبيلة، ويعلو معنى الجانب العاطفيّ، على العكس تماماً مما ساد في الفترات الأخيرة، حيث بات صنّاع برامج الأطفال، ومروجوها في الفضائيات المتخصصة بعالم الطفولة، يكثرون عليهم جرعات التغريب والعنف، ويخاطبون الغرائز أكثر، وأطفالنا ـ بالتوازي مع كل هذه السلبيات ـ يزدادون عزلة أكثر وأكثر وكأنهم سكّان كهوف!!