مهرجان جبلة الثقافي الرابع: المدينة تكتب اسمها
شهدت مدينة جبلة، في الفترة الواقعة بين (10-14) من الشهر الجاري، فعاليات مهرجان جبلة الثقافي الرابع الذي تقيمه جمعية العاديات في المدينة، حيث حرص القائمون عليها في خلق مناخ شعبي للثقافة، كخطوة أولى في توسيع إطار هذا الهم، والارتقاء بالذائقة العامة، خصوصاً لدى جيل الشباب، من جهة، ولكسر جدران العزلة عن المدن الواقعة في الهامش، وخلق جو حضاري على مائدة الجمال المفتوحة، من جهة أخرى.
تنوعت فعاليات المهرجان بين الشعر والنقد والمسرح والموسيقى والغناء والتشكيل والنحت والفوتوغراف، مع معرض كتاب، وآخر لتراث المدينة، رافقا أيام الفعاليات جميعها. وتهدف هذه التنويعات إلى أن يكون المهرجان شاملاً، ومتوافقاً مع الطيف الأوسع للذائقات والأمزجة والاهتمامات.
الأهم، في اعتقادي، على ما للمهرجان من أهمية، هو وضع هذه المدينة على مكانها في الخريطة الوطنية، من خلال عمل أهلي يطمح لتأسيس قاعدة شعبية للثقافة، بالإضافة إلى تأكيد قيم العمل الثقافي بوصفه القلعة الأخيرة للنهوض، وكذلك منح أهل المدينة فرصة ليعرفوا ضيوفهم القادمين من المدن السورية، والبلدان العربية الأخرى، بجمال هذا الفردوس المسمى: جبلة.. لعل ذلك اليوم قريب وسنرى فيه جبلة موضوعة إلى جوار المدن التي شهرتها مهرجاناتها كـ «كان» و«لوديف»، فالمنضوون تحت لواء جمعية العاديات لا ينقصهم لا الإيمان بالفكرة، ولا الحماس، ولا الحب، فهم، بحسب تعبير مدير المهرجان الأستاذ جهاد جديد: «متورطون بهم جميل».
على مدرج المسرح الأثري غنى شربل روحانا: «الحمد لله»، «بالعربي»، «لشو التغيير»، كما قدم موسيقى صافية، ألهبت الجمهور المكتظ الذي تفاعل بحرارة مع صاحب «خطيرة». تتميز تجربة شربل الغنائية بتناول مواضيع اجتماعية وسياسية، تلامس واقع المجتمعات العربية عموماً، والمجتمع اللبناني بشكل أخص. اما موسيقاه فتتميّز بصفائها وحركيتها. والجميل في حفلة جبلة أن هذا الفنان الجاد وجد ضالته في الوصول الى جمهور واسع.
كذلك فعلت فرقة «ارتجال» التي تشتغل على المزج بين الموسيقى الشرقية مع الغربية، في حوار ذكي وخلاق ساهم في خلق مساحة واسعة من الفرح والبهجة، إذ استطاعت فعلاً جعل المدرجات تشتعل.. ولا يشذ عن الركب بيانو غزوان زركلي الذي حاور أعمال كبار المؤلفين الموسيقيين، ولا أداء السبرانو نعمى عمران، ولا عود وعد بوحسون..
وفي ندوة «الثقافة المرئية» التي جمعت الكاتبين الدراميين قمر الزمان علوش وريم حنا والفنان جمال سليمان، تحدث المنتدون على تأثير الصورة على الواقع والحياة والإنسان، سواء من خلال التلفزيون أو لوحات الإعلان أو الصور الرقمية، لكن الحوار سرعان ما بدأ يغوص في نوافل الدراما السورية البعيدة عن عنوان الندوة، ولا يخفى أنها دوافع الهوى الشخصي، فالمنتدون من العاملين في الحقل الدرامي. أما في الندوة التكريمية للشاعر الكبير بدوي الجبل، فقد قدمت ثلاث مداخلات حول هذه التجربة الاستثنائية، قدمها الشاعر أدونيس والناقدان رضوان قضماني ووفيق خنسة، وتحدث كل منهم عن جانب رأى صاحبه أن يضيء جانباً من عالم هذا المبدع الكبير الذي اعتبره أدونيس:«بدوي الجبل يختتم تاريخاً شعرياً بأكمله، وفي الوقت ذاته، يرسم للشعر العربي طريقاً لتاريخ آخر..».
في الأمسيات الشعرية قرأ الشاعر الأردني طاهر رياض والبحرينية برفين حبيب وخضر الآغا وجولان حاجي وعبد القادر الحصني من سورية. إضافة إلى شعراء آخرين من تركيا وكوبا. ومن اللافت ما قدمه الشاعر حاجي الذي قرأ قصائد تمزج بين التجريدي والحسي، خصوصاً تلك التي تتحدث عن اعترافات الجنود في المصحات. وكذلك المقاطع التي قرأها الآغا من قصيدته «من شدة ما أحبك أشبهك».
مسرحياً عرضت مسرحية «ورطة » تأليف وإخراج بدر زكريا، عن نص للروائي اسماعيل فهد اسماعيل، واللافت أن جميع الممثلين يقفون للمرة الأولى على الخشبة.
كما وعرضت ثلاثة أفلام قصيرة لمخرجين شباب هم رامي حنا وجود سعيد، اللذين قدما سينما روائية، بينما كان فيلم جود كوراني فيلماً تسجيلياً عن خراب نهر بردى.
في جبلة كانت الحداثة طليقة تتجول بين المسرح الأثري والمركز الثقافي والكورنيش والمقاهي البحرية. فالمهرجان المحلي أراد لنفسه أن يكون في صميم اللحظة الراهنة، وفي قلب العمل الثقافي، من أجل المدينة ولأجل أهلها.. وهو ما تحقق.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.