الثقافة للجميع «على أمل» الثقافة للجميع
تطلق وزارة الثقافة عبارة «الثقافة للجميع» كشعار لشهر الكتاب الذي تقوم به في هذا الوقت من كل عام وتطرح فيه مطبوعاتها في جميع مراكزها الثقافية المنتشرة على طول البلد وعرضها بأسعار تشجيعية تقل عن تكلفة الكتب بكثير كحافز منها لعادة كاد أن ينساها الجمهور «أكبر شريحة من الجمهور» وهي اقتناء الكتب.
ومن يطلع على العناوين التي تصدرها الوزارة يدرك الأهمية الأدبية والعلمية لهذه المطبوعات ولن يكون بعيداً عن الحقيقة إذا شعر بأنه أمام إحدى أهم دور النشر في عالمنا العربي، ولكنه إذا دقق النظر أكثر وأراد أن يمضي خلف العناوين والفهارس، أو حدث بمصادفة خبيثة أن رأى الصفحة الأخيرة من كل كتاب فبالتأكيد سيقف مطولاً أمام حقائق ليست بجديدة ولكنها مفزعة ومحبطة وتدعو إلى يأس بحجم التفاؤل الذي تبثه عبارة الثقافة للجميع.
فعناوين الكتب والسلاسل سواء أكانت تاريخية أو أدبية أو فنية وعمرها الآن يزيد عن 15 عاماً تطرح تساؤلاً يستحضر المفردة الأولى من الشعار –الثقافة- ويضعها عارية أمام نظرات المساءلة وعيون الاستفسار التي تبحث عن معنى الثقافة، ثقافة الكل، ثقافة الجميع، ومصدر هذا اللؤم البادي في النظرات أمر بسيط وجوهري يمكن لأي أحد، من الكل أو الجميع، أن يطرحه ويفكر فيه دون أن يشعر بعبء أخلاقي جراء ذلك لأنه ببساطة من حقه أن يسأل ماذا تقدم هذه الثقافة له؟ أو بشكل آخر.. ماذا يوجد ضمن هذه العناوين والسلاسل مما يمكن أن أستفيد منه في عملي أو يقرب صورة ما يجري في حياتي وما يدور حولي في هذا العالم المتغير بأزمنة قياسية؟ أعتقد أن قلة قليلة ستومئ بالإيجاب بينما ستجد النقيض كلما اتجهت باتجاه الجميع.
وهذا يدعو للتفكير لماذا تغيب عناوين ومفردات مثل الإنترنت والمدونات والإدارة الحديثة ورأس المال الفكري والبشري والعولمة والأسواق والأسهم والحرية الفردية وحقوق الإنسان عن مطبوعاتنا؟.. لماذا إلى الآن نشعر بأن الإنترنت والعولمة وكل المفردات السابقة هي كائنات فضائية لا دخل لنا بها أو أنها طيور شتاء مهاجرة فوقنا، مع أننا الوقود الحيوي لكل هذه الحركة وتبعاتها.
ورغم أن الثقافة وارتباطها بحياة الناس، كل الناس، ودورها في وعيهم وسلوكهم محسوم ونهائي إلى درجة كبيرة إلا أنها مع ذلك تأبى إلا أن تكون ساخنة وطازجة في كل لحظة من حياتنا.
مع طرح المفردة الأولى «الثقافة» ننقاد مغناطيسياً إلى المفردة الثانية «للجميع» فالأرقام المطبوعة في كل عنوان والتي لا تزيد عن 3000 بأحسن حال، تصيب بالخذلان، لأن هذه الأرقام لم تتغير منذ البدايات، منذ أن كنا بضعة ملايين، والآن تضاعفنا وتكاثرنا وبقيت الأرقام نفسها شاهدة على عجزنا بالحساب والرياضيات التي يقول أضعف الإيمان فيها أن تصبح الأرقام 6000 على أقل تقدير.
وهذا الثبات هو المصيبة عينها، تقول الرياضيات لأنه يكشف عن انحسار الشريحة أو الفئة المستهدفة بالثقافة، فلو كانت الأحوال طبيعية لتناسلت الأرقام حتى أصبحت بعشرات الآلاف، لكن العقم موجود والموانع كثيرة فهذا موت المثقف، وهناك تراجع الثقافة، وهنا نهاية الكتاب، وعصر الصورة، وذاك إيقاع العصر والاستهلاك، وأمامنا عجلة الاقتصاد التي تطحننا جميعاً، وغيرها من مفردات اعتدنا أن نسمعها مع كل نقاش حول هذا الشأن، وهي في الحقيقة جزء من المشكلة وليست طريقاً للحل.
فالأرقام الآتية من بلاد الإنترنت والفضائيات والاستهلاك والصورة مرعبة بهذا الشأن وتقول عكس ما قلناه سابقاً، فالإحصاءات في أمريكا مثلاً تشير إلى أن أكثر رواد المكتبات العامة هم من الشباب المدمن على الإنترنت، وأرقام «هاري بوتر» و«شفرة دافنشي» و«عمارة يعقوبيان» المترجمة إلى لغاتهم تدعو للنقر على الخشب.
هل يمكن أن نتصور أنه في بريطانيا وحدها يباع سنوياً 200 مليون كتاب مستعمل، هذا على اعتبار أن الكتاب يمكن أن يباع أكثر من مرة.
لندع الأرقام في سباتها فذلك خير لنا طالما أننا لا نمتلك حلاً أو تصورات مسبقة له وإنما هو حوار مفتوح مع مفردتين ضمن شعار رأيته وأنا أتصفح بعض الكتب في هذا السولد الثقافي الذي أنتظره كل عام وأدعو الجميع لزيارته ولو كل سنة مرة.