«القبطان كركوز»: سفينة الفساد المتهالكة
عرض مسرحي ينتمي إلى الناس، إلى عروض الشارع المفتوحة، وربما في الهواء الطلق. اعتمد فنياً في إظهار دراما فكرة النص، التي تدور حول الفساد، على التيمات الشعبية المأخوذة من تاريخ عروض الشارع في بلادنا، كركوز وعيواظ. إلا أن السينوغرافيا أضافت إلى العرض التقنيات الحديثة المتمثلة بالشاشات الثلاث، لتمزج، خاصة الشاشة الخلفية، نتاجات المبدع علي فرزات الكاريكاتيرية، لتضيف إلى الأداء التمثيلي التعبير الصامت الذي ينتمي إلى الكوميديا السوداء.
مدى ساعة من الزمن شاهدت عرضاً مكثفاً يتناول أحوال الفساد السياسي والإداري والاجتماعي (نص التركي عزيز نيسين، إخراج السوري زكي كورديلو). العرض لا ينتمي إلى الكوميديا السياسية الرائجة، فهو لم يحرّض المتفرج على التنفيس المجاني، بقدر ما حرضه على حس المتابعة للتيمات الدرامية البسيطة وهي عبارة عن مشاهد، يتناوب في أدائها الممثلون أنفسهم، فكل ممثل، أو ممثلة، أدى أكثر من دور بالتلقائية نفسها، والحميمية المتشكلة قطعاً من روح عمل جماعية ظهرت ثمارها جلية وواضحة أثناء العرض.
الفكرة أن الفساد عندما يغدو قيمة عليا ومطلقة بعين ووجدان الفاسد، لا ينجو منه الوطن وأبناء الوطن، فتوقيع الحاكم على قبول «السفينة المتهالكة من ممثل الفساد العالمي الأمريكي» أدى الى ضياع السفينة ومن عليها.. ومن قبل أدى إلى الهدر وإقصاء كل ما هو مناسب في عمله أو مكانه المناسب. قد تكون الفكرة معروفة لدى كل مواطن، لكن أسلوبية العرض، وبساطة طرح الفكرة، وتحويل شخصيات كركوز وعيواظ إلى شخصيات من لحم ودم على الخشبة، إلى تناوبهما في الظهور خلف الشاشة، أي عودتهما الى الصندوق، صندوق الفرجة كملجأ لهما، أو هرباً من سطوة تداعيات أفعالهما وتقولاتهما، أكسب العرض خصوصية وجمالية.
إن هذا العمل المسرحي مزج الفانتازيا الشعبية بالدراما الاجتماعية والاقتصادية للنص، واستطاع أن يقدم فرجة جديدة، قد يكون فيها بعض الهنات إلا أنها جديرة بالمتابعة والتلقي، ومن هنا لعلي أناشد المخرج كورديلو على العمل على هذه التجربة أكثر فأكثر في أعماله القادمة، فنحن محتاجون لمسرح يتماهى مع الخيال الشعبي في بيئتنا ليعالج قضايانا المعاصرة.