طارق عبدالواحد طارق عبدالواحد

سرد من أجل سلحفاة (1 من 2)

في الصالة الرياضية في الجامعة، انضممت إلى طاولة الشطرنج، وكان اللاعب الآخر زنجياً. بعد عدة حركات، سألني: لماذا تلعب الشطرنج، مان؟ لأنني لست طويلاً كفاية لألعب كرة السلة، أقصد.. لا أعرف. قال الرجل: لديك حس فكاهة، ما اسمك؟ طارق. قال: أنا هنري، انتبه لعداد الوقت، مان! ثم مد يده وصافحني على الطريقة الأمريكية..

قال هنري: يمكنك أن تخسر بالزمن أيضاً. فانتبهت وضغطت المؤقت. لم أخبر هنري أننا كنا نلعب بالشطرنج بدون مؤقت. بعد قليل انفجر هنري بالضحك: لا أصدق أنك لاعب شطرنج، مان! انظر إلى أحجارك.. أنت تكومها بطريقة.. لا أعرف كيف.. ولكنها ليست الطريقة الصحيحة لتحمي الملك. قلت له بترجمة حرفية: هذه طريقة وطنية، هنري! أظن أنه لم يفهم عليّ، فقلب شفتيه، ثم أردف: الزمن..

أنت تضحي بالبيادق بسهولة، مان. ماذا تعني هنري. أعني.. انظر، لقد أكلتَ لي حصاناً وأنا أكلتُ حصانك زائداً بيدقاً، ومنذ قليل حصل نفس الأمر أكلتُ لك فيلاً وبيدقاً مقابل فيل لي. إنها مجرد بيادق.. هنري، واللعبة لم تنتهِِ!..

قلت بافتخار: كش ملك! فحرك هنري بيدقاً، وقال: هل رأيت؟! وتابع: سأخبرك بشيء، وعلى حسابي (يقصد على حسابه زمنه): بالنسبة لي البيادق مهمة. قلت: البيادق كثيرة ومربكة. لم يلتفت لي وتابع: البيدق يمكن أن يصير قلعة أو حصاناً أو.. قاطعته: ليس بالنسبة لي. فرد مستغرباً: ماذا تعني، مان؟ ثم لمس الساعة..

ولم أخبر هنري أننا نلعب الألعاب وفق قواعدنا، وأننا كنا نلعب الشطرنج دون الاهتمام بتلك القاعدة الدولية التي تصبح بموجبها البيدق قلعة أو وزيراً..قاطع هنري أفكاري: الزمن، مان! ثم تابع: بالنسبة لي.. اللعبة لعبة بيادق، فمنذ بداية اللعبة أراقب حركتها وأداءها على الرقعة، يجب أن تمتلك تلك الحاسة التي تستطيع بها أن تعرف بها أي البيادق سيصل إلى الخط الأخير، بالنسبة لي البيادق هي أحصنة أو وزراء أو قلاع مموهة.. ومنذ الآن أقول لك سأهزمك ببيدق!..

وشعرت بالغيظ، فأكلت له جندياً، فقال لي: كش ملك. فنقلت ملكي إلى البيت المجاور. وقال: يمكنك أن تأكل بيدقاً من بيادقي ولكن ليس من دون دفع الثمن. شعر بامتعاضي، فقال مواسياً: هون عليك، لقد عرفت منذ اللحظة الأولى أنك لست لاعباً محترفاً، أنت تقضي وقتاً وحسب.. أنا ألعب الشطرنج منذ عشرين عاماً. ثم سألني: أي الرياضات أحب إليك؟ قلت: ركوب الخيل! فاندهش هنري: حقاً.. هل عندك اسطبل للخيول؟! قلت بتضرع: هيا هنري.. طبعاً لا، ولكنني ما زلت مستفزاً. لم يفهمني تماماً، فسألني: بالحق أي الرياضات تحب؟ قلت: كرة القدم!..

قال هنري: الأمريكيون لا يحبون كرة القدم (قاطعته: أعرف) وبالنسبة لي أنا لا أحبها كذلك، في الحقيقة أنا لا أحب الشطرنج أيضاً، أنا أفضل تلك الألعاب التي ليس فيها خصوم. مثل ماذا، هنري؟ ردّ: مثل تسلق الجبال ورمي القرص والقفز بالزانة، ففي هذه الألعاب يقوم المرء بتحدي نفسه، أية فائدة في أن يتحدى المرء الآخرين؟! قلت بتهكم: أنت تتكلم مثل قسيس،  هنري! فقال: لا تظن أنك قادر في أي وقت على صوغ الفكاهة، مان! على كل حال، لقد كان أبي قسيساً، وقد درست اللاهوت ثلاث سنوات، ولكن حتى اللاهوت صار مثل كرة القدم والملاكمة يخضع لاعتبارات المال و السوق والدعاية، لقد كان أبي..

قاطعته، فلم أشأ أن يحدثني عن أبيه وقد ظهر عليه الحزن: لمن ستصوّت في الانتخابات، هنري؟ أظن أني سأصوّت لهيلاري، قال. قلت: لو كنت مكانك لصوّتت لأوباما!  نظر إلي وقال: هل تقصد لأنه أفريقي ـ أمريكي؟

رن الموبايل، وكانت لورا. لم تدم المحادثة أكثر من دقيقة واحدة، ولكن هنري تطلع فيّ وقال بمودة صديق: أظن أنك ارتكبت خطأ، مان! نعم هنري..هذا صحيح، ولكنني لم أقصد. انفجر بالضحك، وأشار بسبابته إلى الساعة، وقال: أقصد الزمن، مان..

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:08