فيلم يقدم صورة مغايرة للهند الجديدة «مليونير العشوائيات»: لن تصادر السلطة حق الفقراء في الحلم
فيلم «مليونير العشوائيات» للمخرج البريطاني دان بويل، وبمشاركة المخرج الهندي لافلين تاندان، عن رواية «سؤال وجواب» للهندي فيكاس سواراب، سيناريو سيمون بوفوي، الحاصل على جائزتي «غولدن غلوب» كأفضل فيلم وإخراج، وعلى جائزة «بافتا» التي تمنحها الأكاديمية البريطانية، والمرشح ل 10 جوائز أوسكار، والمنتج بميزانية صغيرة يتنطع لطرح عدد من القضايا الكبرى والمتشابكة، من خلال بنية سردية مركبة تقوم على 3 أزمنة، وأيضاً عبر ثلاثة أجيال لأبطاله.
الفيلم الذي يبدأ من قسم شرطة يتعرض فيه البطل جمال مالك (ديف باتل) للتعذيب لاتهامه بالغش في برنامج «من سيربح المليون»، ينتقل إلى استوديو البرنامج حيث وصل المتسابق القادم من حي دهارافي أفقر أحياء مومباي العاصمة المالية للهند، إلى المرحلة النهائية ولم يبق إلا أن يجيب على السؤال الأخير ويربح الجائزة الكبرى، ما يذهل ضابط الشرطة الذي يستعين بتسجيل فيديو للحلقات (سنشاهده معه)، هو كيف تمكن هذا الفتى اليتيم الذي فقد والديه في الفتنة الطائفية بين الهندوس والمسلمين، من معرفة كل هذه المعلومات. جمال الذي يروي حكايته منذ الطفولة يكشف للضابط والمُشاهد (فحديثه سيتحول إلى مشاهد) أن وراء كل إجابة تجربة وخبرة، وهكذا سيتحرك المبرر السردي، فننتقل مع جمال عبر مراحل حياته المختلفة، الطفولة في الحي القريب من المطار حيث لا يتورع أطفال الحي عن لعب الكرة على مدرجه، هاربين كل مرة من مطاردة الشرطة، في المرات تحط طائرة النجم أميتاب باتشان في المطار، لكن جمال العالق في المرحاض العمومي المصنوع من الخشب، لا يتمكن من الخروج لأن الطفل المسؤول عن المراحيض، يقفل عليه الباب لأنه تأخر وجعله يخسر زبوناً (محرزاً)، لكن جمال يقفز من حفرة المرحاض، ويركض وهو مغسول بالغائط نحو المطار، فيما يبتعد الحشد المحيط بالنجم باتشان مفسحاً له الطريق ليوقع الصورة التي بحوزته. بعد أن يقفد جمال والديه يتشرد هو وشقيقه الأكبر سليم ممارسين أعمالاً رثة لكسب عيشهم، ويلتقون بالطفلة لاتكا حيث سيشكلون ثلاثياً تتداخل مصائره حتى النهاية، يقع الأطفال في قبضة عصابة تستخدم الصغار للتسول، حتى أنها تحدث بهم عاهات جسدية حقيقية كي يؤثروا على الناس، يتمكن جمال من الهرب، ويذهب إلى قلب المدينة، يجاهد لتحسين ظروفه المادية يتقلب بين عدة مهن، لكن أقصى ما سيصل إليه أن يصير مستخدماً يقدم الشاي في شركة اتصالات. وهنا سنطل على هند جديدة، نلمس فيها آثار العصرنة والتكنولوجيا، فالبلد الذي ينمو بشكل متسارع حتى صار إحدى القوى الاقتصادية الكبرى عالمياً، لم تمر قفزات نموه دون تأثيرات اجتماعية وقيمية. مصير شقيقه سليم والفتاة التي أحبها (لاتكا) يظل يشغل بال جمال، وهو سيعثر على رقم هاتف شقيقه في سجل الأسماء في حاسوب الشركة، يتصل به ويتم اللقاء، يجد أن شقيقه تحول إلى شاب شرس يعمل بإمرة زعيم عصابة، أما لاتكا فقد كانت تتدرب على الرقص في حي الدعارة، وستتحول لاحقاً إلى محظية خاصة للزعيم. جمال الذي قرر الاشتراك في برنامج «من سيربح المليون» بنسخته الهندية، كي تراه لاتكا، ولكي يصير منافساً حقيقياً للرجل الذي تعيش معه، يمثل طريقة شرعية قد لا تخلو من الحظ، لتحصيل الثروة، في مقابل الأساليب القذرة وغير الشرعية التي أنتجها الانفتاح الاقتصادي، لكن ممارسته لحقه بالحلم تصطدم، بتلك المافيا الخفية المكونة من السلطة القمعية ووحشية شركات الإعلان التي تصنع البرنامج المذكور لجني الأرباح لا لكي يفوز الناس، فمقدم البرنامج يشعر بالغيظ من أن يتمكن هذا (النكرة) من تكليف الشركة هذه المبالغ الباهظة لذلك يلجأ إلى الشرطة، مدركاً أن لا حماية قانونية لشخص كجمال، لكن نزاهة الضابط المحقق تعيد جمال إلى البرنامج ليفوز بالجائزة الكبرى، وعبر تشويق حدثي لا يقل عن تشويق البرنامج نفسه، يتحول جمال مالك إلى بطل قومي هو محط آمال الملايين من الفقراء، وهو إن بدا أعزلً إلا أنه يتسلح بقوة أخلاقية وذكاء وإيمان مطلق بالحب، هذه المسحة الميلودرامية والرومانسية تجعل الفيلم موظفاً لأدوات بوليوودية، لكن معمقاً لها، ولذلك لم يكن غريباً أن ينتهي «مليونير العشوائيات» بمشهد غنائي راقص. لكنه لا يبيع الأحلام للفقراء على طريقة السينما الهندية التجارية، بل يعبر عن روح فتية لأمة عظيمة، وعن القدرات الاستثنائية لأفرادها.