معرض رياض الشعار: اللون كقرية صغيرة ..أو أكثر
تستضيف صالة عشتار للفنون الجميلة في العدوي معرض الفنان رياض الشعار، وهذا هو المعرض الفردي الثاني للفنان في دمشق بعد معرضه الأول في الصالة نفسها العام الفائت، وقد سبقته عدة معارض فردية و جماعية في صالات مختلفة داخل سورية وخارجها. يستسلم من يشاهد لوحات الفنان رياض الشعار لأول مرة للتشابه الأولي بين أجواء لوحاته وبين أجواء الملون العراقي الكبير جبر علوان، إذ قلما يشاهد أحد ما لوحة لرياض الشعار إلا ويطلق حكمه الفوري «كأنها لجبر علوان»، وهذه تهمة يتمنى الكثيرون الالتصاق بها نظرا لجمال مدرسة هذا الفنان المتميز إلا أنها لا تعبر إلا عن حكم متسرع لا يرى في اللون إلا مساحاته وامتداداته وعلاماته الحيوية، دون أن يعير اهتماما لشخصية اللون وحركيته في فضاء اللوحة.
يشتغل رياض كثيراً على التدرج اللوني في لوحته، باحثاً عن فسحة من الغنائية في مزاجية اللون المتقلبة بين الحار والبارد، فتراه حينا يمضي مع الأحمر إلى آخر اشتعالاته ومورانه التي تصبغ اللوحة بمزاجه القلق والمتوتر وحينا يفاجئك الود بين حرارة الأحمر وحيادية ألوان أخرى مثل الفضي أو تدريجات متنوعة من الغامق الممتزج بنثرات ضوء هنا أو هناك، وفي لوحات أخرى تتراجع شخصية اللون الخاصة لمصلحة حوارية ألوان مختلفة تتمازج بحركية توحي بعبثية وجود المتناقضات في محيط واحد دون أن يمتد اللون ليلاقي نقيضه في برزخ مشترك يحتوي هذا الحواراللوني ويحفظ لكل لون كلمته في اللوحة.
تمتهن لوحة رياض فضح مكنوناته الداخلية، ضربات ريشته القلقة وانتقالها من لون إلى آخر ومن تدريجة الى مزيج لوني تنبئ بشخصية تهجس بالأسئلة وتشتغل على جسر المسافة بين الكائن ومحيطه، بين الإنسان وآخره، آخره الذي يشبهه وتبعده التفاصيل ووهم الاختلاف عن قرينه الازلي.
مايميز لوحة الشعار وتجربته اللونية أنها تتراكم على ذاتها مضيفة أبعاداً جديدة لرؤيته الفنية التي تستند على امتصاص واقتناص اللحظات التي تختزن طاقات عاطفية هائلة وبثها في الفضاءات المتروكة بين شخصية اللوحة الرئيسية وظلال محيطها المستكين لحالة الحوار الصامت هذه والتي تنبئ عن كل مالايمكن قوله مباشرة.
تشكل المرأة موضوعاً مفضلاً عند فناننا، المرأة بما هي محور وملتقى وناظم لكثير من تقلبات الإنسان وانفعالاته وصمته تجاه مايحدث حوله، هذه المرأة -المستلقية داخل شرنقة اللون الممزقة- و التي تشغل أبعادها فضاء اللوحة وتمتص ضوء اللون لتتمايز عن الظل المحيط بها الذي يؤسسه الشعار من اللون نفسه وكأنه يخلق حواراً داخل اللون الواحد وربما هذه إحدى الثيمات الرئيسية التي تميز أسلوب رياض الشعار عن أسلوب جبر علوان، فبينما يميل جبر لإغناء لوحته بألوان مختلفة تغذيها تجربته الحياتية وانفتاحه على ثقافات مختلفة ومدارس متنوعة، ينحو رياض للبحث داخل اللون الواحد عن لحظات اختلاف وكأنه موشور يكسر اللون لتدريجاته المختلفة وينثرها على خلفية من لدن اللون ذاته وهذه ميزة يتقنها الشعار كثيراً ويمضي بها الى أبعادها النهائية.
تستغرق تنويعات الأحمر الحار أو الأخضر وظلاله وفي لوحات أخرى ألوان باردة هي مزيج من الأزرق والبنفسجي الغامق معظم المساحات اللونية لرياض الشعار وأحيانا يزاوج في لوحة واحدة بين لونين من طبيعتين مختلفتين مثل الأحمر كلون رئيسي لشخصيات اللوحة مع محيط من الفضي أو البنفسجي وهو بذلك يعطي الشخصية تميزاً لونيا لا يلغي بحال من الأحوال وجود هذا المحيط بتفاصيله الكثيرة المستترة بالحركة الرشيقة لريشته وهي ترسم هذه التفاصيل التي تقيد انطلاقة هذا اللون الرئيسي وتشعرك أن مزيداً مما يريد اللون أن يقوله مازال رهين هذه المعادلة اللونية والتي تعكس في كثير من الأحوال معادلات أخرى على أرض الواقع.
يلاحظ من يتابع تجربة رياض الشعاراللونية التطور الكبيروالمتسارع الذي أصاب أدواته الفنية، وخاصة حركية اللون داخل اللوحة ورشاقة ريشته في تعاطيها مع المساحات اللونية الكثيرة والمتداخلة، وأخذت هذه التجربة ترسم لنفسها مسارا لونيا مستقلا تعززها ثقافة حياتية مليئة وغنية وشخصية مفرطة الحساسية تجاه هذا العالم ومتغيراته التي يراقبها الفنان بعين المتفحص الهادئ والمدرك لارتباك الإنسان في مواجهة الأسئلة التي تطرحها هذه المتغيرات.