مطبات: منتج ضوئي
لقد دخلنا في المحظور، ووقعنا في مهالكه من أوسع الأبواب، إنه الاقتصاد المفتوح وبشائر حلوله السعيد في مفاصل الحياة السورية.
لقد صرنا على عتبات النموذج الجديد بامتياز، لأننا في الأصل لم نكن خارجه، فالقطاع العام الذي طالما بذخ النهابون باسمه، وهدروا (في سبيل نهضته والحفاظ عليه) الكثير، وهو في الحقيقة كان خارج مخططات القادمين لقيادته، كان كبش الفداء، والدجاجة التي تبيض ذهباً عليهم، وقروشاً صدئة علينا.
باسم القطاع العام عمل القطاع الخاص، الأيدي الطاهرة التي صارت عماد الاقتصاد المفتوح أخذت كل الصفقات المعقودة لإصلاح القطاع العام وتطويره، قطاع النقل العتيد الذي لم يقم أي من المسؤولين للحظة بأية محاولة حقيقية لضبطه، عمل القطاع الخاص على تقديم كل الحلول البائسة لإنقاذه، من الجرادين البيضاء إلى وصفات الصندوق الأسود، قرارات اتخذها من هم في سدة القطاع العام بالاشتراك والتواطؤ مع القطاع الخاص لتمرير مشاريع واهية تصب في خانة الإثراء والرشى التي صيرت متنفذين كباراً أسياد القطاع الخاص في ذروة وأوج حضوره في اللحظة.. في الانفتاح.
باسم القطاع العام الذي يعد هؤلاء له المسمار الأخير في نعشه، باسمه صار الموظفون الكتلة المتضخمة المنتفخة من الملل، وصارت الوظيفة وسيلة ارتزاق عبر وسائل أخرى لاستخدامها، وصار الآذن المسكين ملك المؤسسة الحكومية، وصار المدير مجرد وسيلة جباية للذين في الأعلى من خلال تمرير المحظور، والأدنى عبر توقيع المخالفات الصغيرة والهبات على مرؤوسيه الذين سينقلبون على إدارته في أول جلسة مساءلة، ويلبسون ثوب الضحية، ويخلعون عنه ثوب يوسف البريء.
باسم القطاع العام قبلنا بالراتب المقطوع الكفاف، وبقروش المكافآت، بينما كان لصوص هذا القطاع يغرفون من مستودعاته ما يملأ أرصدتهم للحظة إعلان الوفاة، سعدنا بالحوافز الشحيحة، وبالإسعاف المالي، وبتعويض الوفاة، وبالتعويض العائلي المخجل، (25) ليرة سورية تعويض شهري للعائلة عن شهر يكلف الآلاف، ودارت عجلة الغلاء، وصار القطاع العام مجرد مؤسسة لرعاية المعوقين على حساب الانتفاخ الذي يعيشه الموسرون الذين جاؤوا إلى معامله باسم الشعارات التي يتخلون عنها الآن بعد أن صاروا في الجانب الآخر، القطاع الخاص الذي ينتمون إليه دون ذاكرة، فقد نسوا من أين جاؤوا بما يملكون، ومع وقاحة السباب الذي يكيلونه لوكيل نعمتهم المرحوم إلا قليلاً... القطاع العام.
الآن يحتفل القطاع الخاص بانتصاره، انتصاره الذي جاء بعد شراكة مديدة مع القطاع العام، ولكن أي احتفال أخرق يمارس، وأية احتفالية تعد، إذا كانت الاحتفالات حسب الاحتفال الأخير الذي تم بمناسبة إطلاق سيارة جديدة، احتفالاً يشبه استعراض بنات الهوى، أو عرض اللقيطات في سوق النخاسة، وبرعاية من؟ من يروجون لزمن ما ملكت أيمانكم.
يحتفل القطاع الخاص ليس بصناعته، بل بالكماليات التي يدخلها إلى بلد يئن جل مواطنيه تحت وطأة الأزمات والحاجة، بلد جل مواطنيه ليسوا من الفقراء بل من محدودي الدخل كما تصفهم وزيرة العمل، الوزارة التي تعنى بقطيع البؤساء، منهم خلف الطاولات الوظيفية، أو في الشوارع منتظرين محسناً يأخذهم إلى العمل، أو متسولين انقطعت بهم الوسائل والشوارع.
ما ذا يعني أن تأتي بسيارة جديدة موديل 2009، وتدعو لحفل إطلاقها لا إنتاجها، المجتمع المخملي، بنات الإعلان، الصحفيين المدججين بالكروش وبالعلاقات الإعلانية، رجال أعمال، فنانين، محدثي نعمة.. الأدهى رجال دين، وكأنها بحاجة إلى فتوى تجيز ركوبها كغانية مستوردة من بلاد العجم، اقتصاد الثراء القادم بفكيه دون رحمة، ويصفق له المؤمنون والمنتفعون والمارقون.
أحد الأصدقاء صاح: يا للوقاحة، ألهذا الحد يقف الرجل المنتفخ ليباهي بما جلب للمنتفخين، ويسأل الصديق الحانق: ترى كيف يقف صاحب المعمل الذي أنتج السيارة؟ وماذا يلبس؟ من المؤكد أنه يفتخر ببذلة العمل التي صيرت حلم الورق إلى حقيقة تمشي في الشوارع، الشوارع التي لا تشبه شوارعنا.
يحتفل الخاص الآن بالإنجازات الجديدة، في ظل واقع اقتصادي خطير يعصف بالعالم، وهنا تتداعى شركات القطاع العام، تترهل المؤسسات، القطاع الخاص يمارس انتصاره بمنتج ضوئي ودعوات باهتة ومباركات وفتاوى..