بين قوسين: «قريباً من المكان»
ليست «النكبة» مجرد جملة اعتراضية في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، بل فضيحة مدوّية في ضمير العالم، ذلك أن ما حدث في فلسطين منذ 62 عاماً لم يندمل يوماً، رغم كل «التحسينات» لتأويل اسم «النكبة» وتحوير معناها.
لعل إعادة إنتاج صورة المذابح والتهجير ضرورة لإنعاش الذاكرة العالمية، بأن الفلسطيني قد اقتلع من أرضه زوراً، تحت ذرائع لاهوتية، فعدا هذه الفكرة، ليس لدى إسرائيل ما يبرر تلك الجريمة المستمرة إلى اليوم. ينبه الكاتب الفلسطيني محمود شقير إلى غياب السرد الفلسطيني المتعلّق بالقرية كمكان، ويجيب قائلاً: «إن محو مئات القرى الفلسطينية، ألغى النص المواكب لها، فنحن لا نستطيع الكتابة عن قرية لم تعد موجودة في الواقع. لنقل إن جوهر الصراع يكمن في الذاكرة وحدها، وهو ما تسعى له إسرائيل بكامل يقظتها، منذ أن نهب شارون، أثناء غزو بيروت، مركز الدراسات الفلسطينية، وإخفاء مئات الأشرطة المصوّرة عن فلسطين». تقول سوزان أبو الهوا، وهي كاتبة فلسطينية تعيش في المنفى «سعيت دوماً كي أجد المكان الذي أنتمي إليه. وحين بلغت السادسة عشرة، أدركت أنني تنقلت وقتها بين11 مكاناً، موزعاً على أربع دول مختلفة.. كأن اسمي «ابنة الريح» تحوّل إلى نبوءة تحقق ذاتها». لكل فلسطيني حكايته مع المكان المنهوب أو المفقود أو الموءود. هكذا وقف إدوارد سعيد ذات مرة عند سور البيت الذي شهد ولادته في القدس، دون أن يتمكن من دخوله. مات محمود درويش دون أن يُدفن في قريته «البروة» في «الجليل»، وولد صالح علماني في شاحنة متجهة إلى سورية، سنة النكبة، كأن الفلسطيني منذور لمقابر الآخرين في جهات العالم الأربع. لا تحتاج فلسطين اليوم إلى مواضيع إنشاء إضافية، ولا إلى هتافات. يكفي أن يدرك العالم أعباء هذه الفضيحة التي تشبه عاراً على جبين الإنسانية، كي تقترب فلسطين أكثر. تقترح عدنية شلبي صورة أخرى للمقاومة، بأن نجذّر المكان الفلسطيني في مختلف حقول الإبداع، لعل السينما الفلسطينية إحدى أهم الأسلحة في مواجهة الإلغاء، فالصورة الوثائقية وحدها غير قابلة للتزوير.
ستة عقود على النكبة؟ كيف تحملت إسرائيل وزر هذه الجريمة، وإلى متى تغمض عينيها عن هوية فلسطين المؤجلة؟ لقد صدئت المفاتيح على جدران المخيمات، لكن أصحابها مازالوا يحتفظون بها!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.