ربما ..! فلسطين الأخرى

إذا أردنا الحديث عن الشعر الذي كتب عن فلسطين، سواءً من أبنائها أو من العرب، فإننا سنجد أن مسألة دخول مفردة فلسطين إلى الشعر العربي الحديث بدأت مع المشروع الاستعماري الأوروبي في القرن العشرين، لا مع النكبة التي يظنها الكثيرون نقطة الصفر لانطلاق لأدب خاص بفلسطين.

الشعر العربي الذي انشغل بفلسطين (كي لا نقول الشعر الفلسطيني) مرّ بمراحل متعددة، بدأت بالتحذير من الخطر القادم، أو التنديد بالعدوان الذي تتعرّض له فلسطين، والتغني بثورات أبنائها. ومع مجيء سنة 48، وما تلاها، بدأ الشعر يتحدث عن اللجوء وعذاباته، وعن الحنين والشوق إلى الوطن، وضرورة استعادة الأرض السليبة، كما مثّل لذلك شعراء الأربعينات والخمسينات.

لكنْ مع حقبة الستينيات وانطلاق الثورة الفلسطينية بدأ الشعر يأخذ منحى آخر، حيث امتلأ الشعراء بالوعي الثوري القائم على فهم عميق لما يجري على الأرض، فصارت القصيدة وقفة تحدٍّ، والشعر تعبيراً عن الهوية، وسيمثل هذا الاتجاه بشكل أساسي شعراء المقاومة (كما سمّاهم غسان كنفاني) توفيق زيّاد ومحمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين وفدوى طوقان... لكن فلسطين لن تتخذ شكلها إلا مع محمود درويش الذي أوصلها إلى مستوى النشيد الإنساني. ومع الجيل اللاحق لدرويش، في السبعينيات والثمانينيات، كانت هناك تجارب فلسطينية لامعة كتجربة مريد البرغوثي وأحمد دحبور، أو عربية انخرطت في أتون الحالة الفلسطينية وقدمت فيها الكثير، هل نذكر ما كتبه سعدي يوسف أو سليم بركات أو أمجد ناصر... وسواهم من الشعراء الذين جمعتهم بيروت ثورةً وحصاراً؟؟

على تخوم ذلك وبعده، ظلت قصائد زكريا محمد وغسان زقطان ووليد خازندار مشغولة بكتابة الحياة الفلسطينية من داخلها، بنبرة خافتة، مع خصوصية كل منهم في عالمه الإبداعي.

من كل ذلك كان لا بد من صورة أخرى لفلسطين، صورة غير التي كرست على مر هذه الحقب، نراها في ما الذي يكتبه الشباب الآن، هؤلاء الذين تحضر فلسطين في قصائدهم عبر غياب معانيها السابقة والراسخة، لدرجة أن الصرامة الأيديولوجية قد لا تجد ضيراً في اتهامهم بالتخاذل ونسيان القضية، والحقيقة التي لا تغيب أن هذا الغياب هو حضور من نوع آخر لفلسطين التي آن لها أن تكون في النصوص ما دامت لم تكن في الواقع.. لفلسطين التي تضم العبث والجدوى، الجمال والقبح، الحب والكراهية.. لفلسطين الأخرى؛ فلسطين الحياة التي نحب ونرغب، لأننا نحب ونرغب!! 

■ رائد وحش

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.