مطبات: تراجع البيض.. صعد الفروج

العنوان الأشهر في صحفنا المحلية، العنوان الأعرض والأعلى في صفحاتنا الاقتصادية، العنوان المثير لشهية القارئ والجائع والمواطن، العنوان الأخطر في صورة الحراك الاقتصادي.. العنوان الدهشة.

عنوان يقود إلى سؤال البدايات الأولى عن الأصل، الأسبق بينهما، البيضة أم الدجاجة، ثم صارت بعد حين من مسيرة الإنسان.. البيض والفروج، وأحياناً الشاورما والعجة، لكن الأصل في الأسبقية ما زال مثار جدل إنساني، وما زلنا نرى فيه - نحن السوريين- جدلاً بامتياز في سوقنا الذي يصعد فيه البيض أحياناً والفروج في أحيان أخرى.

منذ أنفلونزا الطيور فقدنا قدرتنا على معرفة من سيسبق منهما في رحلته المتصاعدة نحو القمة، المرض يقهر الإنسان والسوق والدول إن صار وباء، أما هنا فإعلان المرض وحده كان كافياً لأن يطير الفروج والبيض- ابن زوجته- من موائدنا إلى السوق السوداء.

مثل كل دول الأرض التي أرعبها الوباء خشينا، صار الفروج فيروساً طائراً، وصعدت أسهم السمك، واللحم البلدي، والعجول، والجمل صاحب أكلة السنة الواحدة صار قديساً، الفروج الضحية هوى سعره إلى أرخص من كيلو بندورة أردني أو حوراني، أما بيضه فحمل إلى أسواق الجمعة والاثنين وأمام الجوامع مثل بسطة العشر ليرات، وألعاب الأطفال صبيحة العيد.

انفرجت الأزمة وتحملنا وزرها، الخسارات التي تعرض لها المربون وأصحاب المزارع كانت على حسابنا، الدولة التي فقدت عائد تصديره حرمتنا من متعته عقوبة على تقصيرنا في أكله حينما مرض، ثم تراجعت عن تصديره بعد أن عرف العالم كله أننا اشتهيناه حتى في نومنا، وأنه صار قاسم أحاديثنا، ومحور سهراتنا، ومبلغ رجائنا، والنصيب الأكبر من أمنياتنا ودعواتنا.

قرارات لم تأل الدولة جهداً في إصدارها ليكون الفروج وبيضه في متناول صغارنا، ليكون بمقدورنا ككل البشر أن نتلذذ بالشعور الإنساني بأننا كائن لاحم، فاللحم البلدي وغير البلدي ليس ممكناً إذا كان سعر الكيلو لموظف في سنته الخامسة، ومن الفئة الرابعة يعادل خمس راتبه، منعت الدولة التصدير، ألقت القبض على مهربين على حدود دولة مجاورة، أصدرت قراراً بمنع احتكاره، مؤسساتها العتيدة تبيعه بأقل من سعر السوق بثلاثين ليرة.. إنه الفروج والبيض العلامة الفارقة في اقتصادنا الذي يهتم بالمواطن وما يشتهي.

ولكننا أيضاً ككل البشر لنا حصة من الأنا العالية في عجينة خلقنا، الطمع ميزة بشرية محضة، وخصوصاً لدى الفقراء، وإن احتلنا على تسميتها بمفردات أقل خشونة، وأنعم إيقاعاً، فماذا يمنع أن نشتهي البيض البلدي، والفروج البلدي من باب أنه أكثر صحة وخال من الهرمونات التي تجعل من أبنائنا إما نحافاً وذوي كروش كصغار الصوماليين، أوسماناً كمتذوقي الشوكولا السويسرية بدهن حيواني، فالبيض بصفارين متعة لدى فقراء الريف، والفروج الذي تربيه العجائز له لحم طري عند الطبخ، وأطيب من لحم الخروف عند غلاة الفلاحين، أليس هذا جشعاً وإن أسميناه هروباً من الهرمونات.

أما السؤال الذي فيه بعض التدخل فيما لا شأن لنا به، وعلى عمل الغير، واعتداء سافر على صلاحياتهم، لقد نجا فروجنا من مذبحة الأنفلونزا والحمد لله، ونجا معه البيض الذي سيصير فروجنا بعد عمر طويل، ساعدتنا الدولة في حربنا على اللحم البلدي والسمك في سياسة عدم اعتيادنا على البروتين، بالغلاء تارة وبتصديره تارة لسوانا ممن سيقعون في فخ فقد الذائقة ذات يوم عندما يفتك وباء بالخراف والأسماك.. السؤال الذي أطلت في طرحه خشية ألا يقول أحد إنني من الطامعين بتغيير العادات: إذا كنا قد وصلنا إلى مواطن يحب الفروج والبيض ويكره الخراف البلدية، ولديه ذائقة مميزة في أكل الفروج طبخاً وشياً، وسندويشاً....ألا يستحق منا عنواناً: تراجع البيض.. تراجع الفروج؟.