ربما ..! حوافي الكتابة

إذا أردنا اقتفاء آثار النص فيمكن العثور على المسالك المرجوة في الهوامش التي يلوذ بها الكاتب، من يوميات وحوارات وشهادات ورسائل... ففي هذه الأنواع تسطع المرايا الحقيقية لأفكار الكاتب وشخصيته واهتماماته، وهي غالباً ما تغيب في خلفية النص وكواليسه.

هذا ما كان يكتشفه القرّاء على الدوام في يوميات تشيخوف وكافكا وبيسوا، وفي رسائل ريلكه وهمنغواي، وفي حوارات إرنستو ساباتو ومحمود درويش والماغوط... إلخ، حيث يمكن أن ترى كيف تولد الفكرة، وكيف تتم إعادة إنتاجها من جديد في نص أو أكثر.

اليوميات نوع جربه أدباء كثر على مر تاريخ الأدب، ومن المعروف أن تلك الكتابة التي تتخذ شكل شذرات هي أجزاء من نص لا ينتهي إلا بنهاية صاحبه، لأن كل يوم هو إغواء بقطعة جديدة. كما أن الكاتب، خلافاً لهاوي هذا النوع، إنما يقوم باختصار يومه بجملة لذيذة أو مقطع صغير. لنتذكر يوميات فرناندو بيسوا، شاعر البرتغال الكبير، المعنونة بـ"كتاب اللا طمأنينة" والتي صارت تعتبر من كلاسيكيات الأدب في القرن العشرين، حيث حوّل بيسوا هذا النوع إلى استبطان داخلي. كذلك الحال مع يوميات أنايي سنن التي وصلت نتاجاتها في هذا الباب إلى مجلدات.

ولا يختلف الأمر مع الرسائل التي يمكن أن نجد مثالها الأسطع لدى راينر ماريا ريلكه في "رسائل إلى شاعر شاب". أو في الحوارات التي تجلو لنا البداهات، وترينا مساحات كانت غامضة من تفكير الكاتب في نصوصه.

تمكننا هذه الحوافي التي غالباً ما ينظر إليها باستخفاف من عوالم أصحابها، فمن يقرأها يجد أنه في صميم التجربة الأدبية والشخصية لصاحبها، لأنهم يكونون فيها عراة من المجاز والحبكة والشخصيات، وفي حوار مباشر وعفوي مع الذات والعالم. 

■ رائد وحش

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.