بين قوسين: نص العزلة
هل تنتج العزلة نصاً؟.. ولكن هل هناك عزلة منقطعة عما قبلها، أقصد ركام التجارب والمشاهدات والقراءات والبشر العابرين والأغاني والرسائل؟
عاش ألبير قصيري «فرنسي من أصل مصري»، نحو نصف قرن في غرفة ضيقة، في أحد فنادق باريس، ولم يغادرها إلا لماماً، كان يكتب روايات أبرزها: «شحاذون ونبلاء»، وهذه الروايات كانت تذهب إلى ذكريات، تبدو كما لو أنها إعادة لشريط سينمائي، مثلما هي خزان معرفي عن أشخاص وأمكنة وخبرات.
الكتابة خبرة أولاً، خبرة في إنشاء النص، وخبرة حياتية ثرية بالأحداث، وامتصاص للحظات هاربة والإمساك بها بالحواس الخمس.
أمس، كنت أفتش عن أغنية محددة لفيروز هي «أسامينا» فهذه الأغنية تحيلني إلى مشاعر كانت نائمة، إلى أن ذكرتني بها إحداهن، أو على نحو أدق، أرسلت لي مقطعاً منها عبر الموبايل.
نبشت عشرات الأشرطة،إلى أن اكتشفت الأغنية، كان لها نكهة أخرى، ومعنى آخر للكلام وللصوت وللرائحة!
في عزلتي الاختيارية، كانت فيروز، وهذه الأغنية تحديداً، تورق شجراً أخضر في عراء المكان والإسمنت، مرفقة بإحالات قديمة، هي في تجل ما، نص مؤجل، أو نص مهمل، يحتاج إلى تحرير وترميم وإعادة كتابة.
هذا النص المرتبك ذاته، هل بالإمكان كتابته بالطريقة نفسها، فيما لوكان مجرد مقترح عابر، غير قائم على إحالة شخصية؟
أجد أنه يفقد بعضاً من ألقه وخصوصيته، وأسراره، ذلك أن أي نص ابداعي في المحصلة، لا ينهض على أسرار، هو مجرد عرض حال، وتالياً فإن النبش هو نسغ النص وسماده الطبيعي.
مرة أخرى، أقع في حيرة العزلة ورحالاتها التي لا تنتهي، وأتساءل: هل تكفي جملة في أغنية لفيروز للإطاحة بكل هذه الجدران المغلقة.
الأمر يستحق البحث بالتأكيد، ولا أرغب بفضح كل ارتباكاتي، وعلى هذا الأساس، هناك نص مؤجل آخر!