أسامة أنور عكاشة حين أصبحت الدراما التلفزيونية العربية فناً
رحل عن عالمنا قبل أيام الكاتب الدرامي المصري الكبير أسامة أنور عكاشة، ليفقد الأدب التلفزيوني العربي واحداً من أعمدته المؤسسة، وأحد أبرز من صنعوا تحولاً في طبيعة المسلسل ليتجاوز طابعه الترفيهي البحت.
بالكاد يذكر أحد مسلسل أسامة أنور عكاشة الأول «المشربية» 1980 بينما تعرف أجيال مختلفة مسلسلي «وقال البحر»1982 و«الشهد والدموع» 1983 إلا أن الانطلاقة الحقيقية لعكاشة كانت مع «ليالي الحلمية» 1987 بأجزائه الخمسة الذي يوازي عمل نجيب محفوظ في الرواية من خلال حكاية أجيال عائلية هي في الوقت نفسه حكاية مصر عبر قرن من الزمن. بعد «ليالي الحلمية» صار كل مسلسل جديد من تأليف عكاشة هو حدثاً، وللمرة الأولى يحظى الكاتب بنجومية تزيد عن شهرة المخرجين بل والممثلين، كان اسم عكاشة كفيلاً بأن يدرك المشاهد أن لديه متعة مشاهدة مضمونة. عكاشة كما كتب البانوراميات العملاقة كـ «ليالي الحلمية» و«زيزينيا» وأخيراً «المصراوية»، كتب أعمال كبرى كـ «أرابيسك» و«أبو العلا البشري» و«الراية البيضا»، إلا أن أعمالاً له أقل شهرة لا تقل قيمة عن تلك الملاحم الاجتماعية، أعمال فريدة بحساسيتها الإنسانية واختيار موضوعاتها وزاويا المقاربة مثلاً «أهالينا» الذي يتناول بطالة الشباب، و«الحب وأشياء أخرى» الذي يروي قصة حب بين فنان فقير وفتاة غنية.
وكما كان عكاشة قادراً على طرح أعمق المواقف الدرامية في أعمال محدودة المدى، فإنه في المسلسل نفسه يستطيع أن يخلق عالماً لشخصية ثانوية، فحتى الأدوار الصغيرة كان لها فتنتها لدى عكاشة، عبر ذلك من المزيج من الروح الشعبية والطرافة مثلاً بسيوني الذي أصبح المعلم بسة، وخميس الذي صار الخمس، والسبعاوية، والمحامي الذي يربي الكتاكيت.
ثبت عبر عقود من الإنتاج الدرامي العربي، أن المسلسل التلفزيوني يقوم على النص، كما تقوم السينما على المخرج والمسرح على الممثل، وعكاشة الذي تعامل مع مخرجين وممثلين مختلفين وإن تكررت بعض الأسماء، لم يكن يترك شيئاً للمصادفة، والأدوات البصرية المتواضعة للدراما المصرية كان الزخم الدرامي لعكاشة يغطي عليها، مع عكاشة صارت الدراما فناً جدياً، وأمكن من خلالها طرح أجسم القضايا، كما اقتربت العلاقة مع الواقع من التطابق، بعد أن كانت واقعية هذا الفن مشكوكاً فيها، مع بقائه أسيراً لكليشيهات ميلودرامية.
استطاع الراحل الكبير التي ما زالت أعماله تعرض وتشاهد متجاوزة آنية التلفزيون، أن يقرب مضامين تحررية وحداثية من الشعب البسيط، الذي امتلك حساً عالياً بروحه وهو المثقف الذي أدرك خطورة جهاز التلفزيون الذي يصل إلى الجميع حتى الأميين.
إذا كانت الدراما السورية منذ نهاية الثمانينيات قد طرحت شكلاً جديداً على مستوى الإخراج وقدمت كتابها الواقعيين الذين ساهموا في إحداث ثورة في الدراما العربية، إلا أن هذه الدراما بقيت تعاني من قصور على مستوى الكتابة، وبقيت علاقتها مع الواقع إشكالية فهي أحياناً تجمله أو تشوهه وأحياناً لا تتناول أبعاده المختلفة أو تبقى محكومة ببعد واحد له، ولدى هذه الدراما الكثير مما يمكنها تعلمه من عكاشة لناحية امتلاك منظور تاريخي دون أن تقدم أعمالاً تاريخية ولناحية عدم تنميط الشعبي والواقعي.
■■