أما من أمل؟!
يطالعني وأنا «أخربش» قليلاً بقلمي الذي كان فيما مضى يسير وحده بما يجول به فكري، قول صديق لي، كنت كلما حدثته عن الأمل والتفاؤل، وعن الحياة والمستقبل، أجابني بجملته المشهورة، التي صرنا نكنيه بها «ما في أمل».
وفي ذلك عزمنا، نحن رفاقه، على دفعه قليلاً ورفع معنوياته، وصار هذا ديدننا، فمرة يشدنا إليه ومرات نسحبه إلينا.. حتى حضرت منذ أيام مضت مؤتمراً عقده الاتحاد الدولي للمحامين بالتعاون مع نقابة محاميي سورية، يتحدث عن الوساطة في النزاعات، ربما ترامى إلى مسامع حضراتكم شيء منه، والعجيب ـ بالنسبة لي على الأقل ـ أن هذه الوساطة التي تحدثوا عنها، بإحصائيات جلبوها، قالوا إن /80%/ من النزاعات حسمت قبل الوصول إلى المحاكم بفضلها.
هنا انبرى الداعي بمداخلة، أثقلت بها مسامع المحاضرين (السويسريين والبلجيكيين والألمان.....)، ووجدت نفسي دون أن أدري أقول لهم «يا أحبابي! صدقوني: ما في أمل» فمجتمعاتنا مفطومة على «كبر الراس» عفواً أقصد على الفروسية والبطولة، يعني ليس هناك عربي أصيل «بيحطها واطية لحدا» ولو كان مخطئاً.
والعجيب أكثر أن المحاضرين «الأجانب» تباروا في الرد علي وأن مجتمعنا العربي مبني على المسامحة والصفح وأن الأخلاق الإسلامية تحض على العفو لا على المخاصمة.
هنا: أكبرت ذلك فيهم وقلت: لعلي وصاحبي المتشائم نطلب الوصال لا أكثر، وصمت. لا بل عزمت على تطبيق ذلك عملياً، وما لبثت إلا ليلتين وكنت قد رتبت اجتماع وساطة لدعوى سابقة عندي بين زوجين أرادا الافتراق.
وما هذه الوساطة التي رأيناها!؟ أقسم إنه كالسحر، فما دام الاجتماع أكثر من ساعة إلا والزوجان عازمان على الصلح، واقعان في الحب من جديد، وانقلبت الدعوى التي انتظرناها سنين إلى فيلم هندي، وخسرنا الأتعاب!
كل هذا لا بأس به، إلا أن المشهد أبى أن ينتهي إلا بدخول والد الزوجة الذي كان ينتظر خارجاً، وفاجأته بالخبر السار، وفاجأني بخبر أحلى، «ما خلى طلاق وما خل يمين وما خلى سكين إذا رجعوا إلى بعض».
ورجعت أنا إلى نفسي ثم إلى صديقي وسأرجع بالـ «إيميل» إلى «المسز مولر» الوسيطة المحاضرة وأقول:
لئن عدت بعد اليوم إني ظالم
سأصرف نفسي حيث تبنى المكارم
متى يظفر الغادي إليك بحاجة
ونصفك محجوب ونصفك نائم
وسأدع صديقي يشمت بي:
فصدقوني صرت على مثل اليقين «ما في أمل».