ونحن أيضاً نحب البارسا

لم تعد نشرة الأخبار الرئيسية أو المحلية تقطع متعتنا، ولم يعد يهمنا إن نكث مخططو القناة الأولى أو الثانية عن وعدهم ببث مباراة محلية أو عالمية ولم يعتذروا، ولا انقطاع البث من المصدر لمدة تتجاوز نصف وقتها، اليوم نحن سادة ما نريد، بنقودنا نرى ما نشاء، وفي أسوأ الحالات كل مقاهي دمشق تستثمر في الرياضة.

لم يعد صوت وجيه شويكي سيد التعليق، ولا إياد ناصر بصوته البعيد عبر الموبايل من أندونيسيا يأخذنا مرة إلى النصر وفي دقائق يشعرنا بالهزيمة المرة، بنقودنا وبالكرت السحري لنا أن نختار الصوت الذي نحب.

لم يعد بإمكان أحد التحكم برغباتنا في المشاهدة، عشر قنوات بكبسة ريموت كنترول تشبع نهمنا، من بين أصابعك، فقط أصابعك وحدك تقفز الدنيا، ميامي وبطولات الماسترز في التنس، بطولة أبطال آسيا، بطولة الدوري الأوروبي، كل الدوريات الأوروبية والأمريكية اللاتينية، حتى الدوري السوري هنا دون البحث عن قناة أرضية وهوائي عنيد ربما لا يستجيب لشهوتك.

الثلاثاء الذي مضى كانت ليلة السهر الصاخب في مقاهي دمشق، لا أمكنة شاغرة ولا كرسي لمشاهد وصل متأخراً، حتى البيوت العربية في ساروجة التي تحولت إلى كافتريات وكان أصحابها يسحبون الزبون بالاستجداء والحيلة، أغلقت غرفها الصغيرة.

الثلاثاء يوم قمة الكلاسيكو الاسباني، مباراة الأقدام التي تساوي الملايين، النجوم الذين تملأ صورهم أرصفة دمشق، حتى مصانع الملابس استغلتهم لترويج البضاعة الكاسدة بسبب الصين، والخطط الذكية في دعم الصناعة الوطنية، نجوم الكرة  كريستيانو رونالدو، ميسي، ابراهيموفيتش، حتى المدربين ورؤساء الناديين، والتحضيرات الإعلامية قبل اللقاء، إعلانات الشوارع، يوم عالمي للمشاهدة لدمشق نصيب وافر منه.

الثلاثاء والأربعاء منذ انطلاقة دوري أبطال أوروبا، يومان للاستثمار، تغيرت صورة المقهى والزبائن، تغيرت الرغبات، الشاشات المسطحة العملاقة، المشروبات والأسعار، كل شيء معد لخدمة الساعتين المملوءتين بالحركة والمتعة، استنفار لحصد ما يمكن من طلبات، لحرق ما يمكن من رؤوس التبغ بنكهة التفاح والزهر.

ليلة للصراخ المبحوح، ثلاثاء للهتاف والآهات الخاسرة، صياح منتصر، منذ أن أطلق الحكم صافرته وحتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أصوات كسرت الليل الهادئ البليد، حياة ولدت أمام الشاشات المسطحة، قفز لا يتجاوز حدود طاولة الزبون، كلمات جديدة، الجميع يتابع نجومه، يعرفهم، ويأسف البعض لغياب نجومه، وآخرون يشجعون ميسي كأنه طاطيش، ويلعنون كريستيانو كأنما أطلقت قدم المحروس كرة كان من الممكن أن تكون هدفاً سورياً في نهائي آسيوي، ثلاثاء استثنائي لليلة ستنتهي في انتظار ثلاثاء جديد.

الواحدة بعد منتصف الليل خرجوا، بسياراتهم وأقدامهم، أعلام برشلونة وريال مدريد على الأعناق وفي الهواء، والفرح والأسى علامات تقاسمتها الوجوه الخارجة من المقهى إلى الشارع، كأنما حمل الكرامة كأس آسيا، والجيش هزم بطل اليابان في عقر طوكيو، والاتحاد غلب الغرّافة بنجومه البرازيليين في ملعب خليفة الذي يعد لاستضافة بطولة العالم 2022 في حلم قطري مشروع، بينما ملعب العباسيين تعد له دعوات الهدم.

ثلاثاء للبحث عن نصر فاتنا، هروب من هزيمة كروية تلبسنا، إحباط من اتحادات تتنافس على الكراسي بينما أشقاء لنا يتنافس العالم على ملاعبهم التي كانت يوماً من رمل وتراب عندما كنا نتباهى بـ(التارتان).

صياح فائت، سهرات دمشقية رغم أن المائدة اسبانية بعد أن هرب منا الكرنفال، نحن الدمشقيين السوريين أصحاب الليل المفتوح على المهرجان، أيام المعرض، سهرات الربوة، السيرانات المقدسة، أيام المسرح، قداسة المشاوير الآمنة، المزاج المرتفع المخصي في لعبة البحث عن العيش الكريم، نحن أيضاً نحب البارسا.. ونحب الحياة. 

 ■ عبد الرزاق دياب