العيد.. طقس محبة ولمّة فرح!
لم تكن الأعياد عموماً مناسبات دينية فقط، كما يتصور البعض.. بل هي اجتماعية وعادات وتقاليد وطقوس استرضاء وانسجام ومحاكاة الإنسان للطبيعة في التجدد الدائم للحياة والوجود سبقت الأديان بآلاف السنين..
في الأساطير القديمة كانت تقام طقوس لاسترضاء للطبيعة والاحتفال بها، كتقديم القرابين للنهر، أو الاحتفال بهطول الأمطار وبداية فصل الربيع مثل عيد أكيتو، أو طقوس الصيد والعمل الزراعي المعبرة عن أنسنة الإنسان، وكان يرافق هذه المناسبات نشر المحبة والتفاؤل والفرح بالتجدد.
وطقوس الاحتفال بذلك تختلف من منطقة إلى أخرى حسب تنوع الثقافات والحضارات. وتطورت هذه الطقوس على مر العصور، إلى أن تحولت إلى طقوس في أغلب الأديان، وإلى عادات وتقاليد اجتماعية متواصلة ومستمرة تنتقل من جيل إلى جيل وإن تغيرت في بعض أشكالها.
وكما تجدد الطبيعة نفسها وتتزين بمظاهر الخصب والولادة التي تنشر المحبة والفرح حولها، يغير الإنسان أسلوب حياته في فترة العيد، ويرتدي لباساً جديداً وغير ذلك من المظاهر الاحتفالية في الطعام والشراب واللهو، وأكثر ما يتجلى ذلك لدى الطفولة، رمز الأمل والمستقبل.
طقوس المحبة!
أهم ما يرافق الأعياد هي طقوس المحبة، والتي تحتوي محاولات لتجاوز الأحقاد والخلافات، وتتضمن تبادل الزيارات والهدايا واجتماع الأسر، وتناول الحلويات.. وغيرها، مما يعزز العلاقات الاجتماعية. إن تتبع مسار الأعياد في ثقافات الشعوب يثير أسئلة كثيرة حولها وحول الدور الذي تلعبه في المجتمعات من مثل: (ألا تعتبر الأعياد مناسبات للتعبئة، وتجييش الوعي الجمعي في مجتمعات تتغيّر بسرعة وتعيش أزمة وجود؟ ألم تنهض الممارسات الطقوسية بوظائف اجتماعية حاسمة فتشبع حاجات كامنة في حياة الجماعات وتدخل في مبادلاتهم المادية والرمزية؟ ألا تٌوظّف ممارسات الطقوس بوصفها وسائل رمزيّة لتأسيس السلطات والمراكز الاجتماعية وإضفاء الشرعية على السلطات وأشكال التمايز القائمة بين الأفراد والجماعات؟.. الخ).
وهنا قد يتبين لنا أن ما تقوم به الجماعات المتطرفة من تشويه للطقوس والعادات التي تعتبر جزءاً من النواة الثقافية، ليس لتفتيت المجتمع ومؤسساته الاجتماعية فقط، بل بهدم النواة الأساسية في المجتمع وهي الأسرة، وصولاً إلى هدم الأفراد مما يسهل التحكم بهم، والقضاء على إنسانيتهم، وهذا ما تجلى من وحشية الممارسات والجرائم والقتل خنقاً وحرقاً وذبحاً من حيث الشكل، ومن حيث المضمون، حيث يذبح الابن أمه ويقتل الأب ابنته.
وكذلك ما تقوم به الأنظمة من استغلال لهذه الأعياد وتحويلها إلى مناسبات تمجيد وترسيخ للدكتاتوريات ومنحها القدسية ذاتها.
تسليع الأعياد!
صحيح أن الأعياد تنطوي على طقوس محبة وفرح، إلا أنها تحولت عند الكثيرين إلى موسم استهلاكي، حيث نجح سوق الهدايا في أن يفرض نفسه على بعض الأعياد، ورغم أن البشر بدأوا بمهاداة الأطفال كي يتعلموا أن الحياة هدية، وأننا نحتفل بهدية الحياة، ولذلك توجد الهدايا. ولكن عندما تتحول إلى مجرد طقس، يبالغ فيه، لدرجة يتحول فيها إلى عبء يرهق الأسرة، أو يخلق حالة من الحرمان الذي تفرضه ظروف اقتصادية في أحيان كثيرة وبهذا يصبح مناقضاً لمعنى العيد، عندما يفرغ من محتواه. هنا أيضاً يبرز سؤال آخر، ألا تندرج الأعياد ضمن المساعي لتعزيز ملكية الثروات الرمزية في سوق استهلاكي؟
تبين الوقائع وتؤكد أن النمط الاستهلاكي أصبح سائداً، وأدى إًلى انتشار القيم الانتهازية والنفعية وما يرافقها من نصبٍ واحتيالٍ وفسادٍ، وأنه أصبح خطراً اجتماعياً ومرهقاً اقتصادياً إذ تراجع نمط العمل والإنتاج وقيمه، وجرى تغييب الأعياد الوطنية ورموزها، وحتى الأعياد العامة والأفراح الصغيرة لم تسلم من التسليع، ومن محاولات إفراغها من محتواها وتشويه وظيفتها الاجتماعية.
يمكن للقوى السياسية والفعاليات الاجتماعية القيام بوظائف سياسية وعلمية لتخليص المجتمعات الحديثة ولو جزئياً مما لحق بها من تشوهات، لتصبح ممارسات اجتماعية ذات ديمومة وصفة جمعية وزمنية واضحة، وهو ما يتطلب تغيرات اجتماعية جذرية شاملة وعميقة، تطال نتائج الأزمة المستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام، إضافة إلى العقود السابقة من التهميش وتغييب الحياة السياسية والمشاركة الجماعية في جوانب الحياة المختلفة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.