«علمانية» .. بنكهة «طائفية»..!
كلما قرأتُ مقالاً يتحدث عن العلمانية، من تلك المقالات منخفضة القيمة الفكرية، تلك التي تشم منها رائحة طائفية- عنصرية- مذهبية، تذكرت الاتهامات التي نسمعها دوماً حول نظرية المؤامرة، أبحث دون تردد عن أصول هؤلاء المروجين للعلمانية ذات النكهة الطائفية، فأجد لهم علاقة مباشرة لا تخبئ نفسها بالمخطط الأميركي للمنطقة. إنهم لا يجتهدون كثيراً لإخفاء هذا الارتباط الوثيق بين ما يروجون له وبين النموذج الأمريكي.
تتكاثر المواقع الإلكترونية المروجة لهذا الفكر، ممثلة تحت عناوين عريضة غالباً ما يكون جزء من تسميتها فيه مصطلح «حر».
اعتاد المتلقون على فهم أن العلمانية بشكلها الذي (يفصل الدين عن الدولة) هي حل منطقي لحياة سياسية «نظيفة» -وهي ترتبط بمراحل نشوء الرأسمالية في أوروبا بشكل أساسي خروجاً من مراحل الإقطاع المتمظهر في سلطة المؤسسات الدينية- لكن عندما يجتمع النقيضان في طبخة واحدة، يصبح من الصعب على المتلقي أن يشم رائحة النتانة المختبئة (رغم أنها لا تختبئ عميقاً). إن قليلاً من البحث في هذه الترويجات الإعلامية يكشف جوهرها.
ليس مستغرباً مثلاً أن أحد المروجين للعلمانية الطائفية ممن أسس حزباً سياسياً لا يخفي علاقته بالأمريكان بل وحتى بالصهاينة، تحت مسميات الدراسات الاجتماعية والفلسفية والتمويل، وهذا الكائن يقوم بالترويج للعلمانية كنوع من المحاصصة الطائفية!
لكن حقاً ماذا يريدون من هذا الترويج؟ إنه تشويه متعمد لمفاهيم التطور الاجتماعي السياسي كلها، وضمناً العلمانية، حتى تبدأ تلك المفاهيم بفقدان سياقها التاريخي الاقتصادي. ويمكن من خلالها صنع ثنائيات كاذبة جديدة، تضع هذه «العلمانية الطائفية» في مواجهة الإرهاب المرتبط بالتطرف الديني، كنقيضين وهميين جديدين يمكن تسويقهما في سوق المصطلحات المفتوح على مصراعيه في زمن الحرب، فيكون من نتائج ذلك فصل «الإرهاب» عن أساسه الاقتصادي، وعن مصالح مموليه، وتحديداً فصله عن الغرب الرأسمالي، بل والترويج لكون الغرب «بديلاً حضارياً» ليس عن «الإرهاب الإسلاموي» فقط، بل وعن حضارة منطقتنا بأسرها.. ذلك حال من يرتبط طبقياً ومصلحياً بأمريكا، والذي يحلم بأن تبقى بلاده تابعة اقتصادياً للغرب، وأن تبقى منظوماتها فاسدة ومتهتكة طالما كان في مواقع النهب الأساسية ضمنها.. هذا النوع يحقد على السعودية وأشباهها فقط لأنها تنافسه في «حب أمريكا» ومنظومتها.. ولذلك فهو حين يسب الإرهاب يربطه بالوهابية فقط ويحاول أن يبعد من المشهد معلمه و«تاج رأسه» الأمريكي الذي يحتل مركز عملية إنتاج الإرهاب وإدارته..