مطبات: المدينة الراهنة..

من فوق، من تحت، من كل مداخلها، من أينما جئتها، من أينما تصورتها، اليد التي تخطط،هي  نفسها التي تبني، الأرصفة المهشمة نفسها، الأرصفة الجديدة السوداء، الطرق التي تسمى (أوتسترادات)، الحواري الضيقة نفسها، الانعطافات، الحفر، تمديدات المياه، الكهرباء، الهاتف، الرسم الإسفلتي النافر في شوارعها الصغيرة والكبيرة نفسه، الزمن الطويل لمشاريعها نفسه، الأحجيات والعثرات لتعثرها، الدراسات الخاطئة، الفساد الإداري، كف اليد، نزع الصلاحيات، تعيين أصحاب السيرة الحسنة ثم نزعهم، الاستملاكات لتلافي المخاطر، الاحتجاج على الاستملاك، البديل المؤقت في الحسينية، الوعود الدائمة بالبديل الدائم، آلاف الوحدات الجاهزة للتسليم، القوانين الصارمة لوقف المخالفات والاعتداءات، التجاوزات على القانون.. سيمفونية السنوات الأخيرة من عمر مدينة دخلت في الخطر تسمى دمشق.

في عرضها الأخير للمصور التنظيمي، جمعت محافظة دمشق كل طاقاتها في التنظيم العمراني، وحددت رؤاها المستقبلية لمدينة تتنازعها المشكلات بكل صنوفها، العمرانية والبيئية، والسكانية، والبنية التحتية، حشد من المهندسين والدارسين والخبراء والجهات المعنية، ووجهات نظر تبقى في خانة الاحتمالات والظنون.

مازالت المدينة مرهونة بمعوقات الإهمال، الدراسات، والمخططات والمصورات الإقليمية والتنظيمية، وما يتعارض معها، والمشاريع التي تنفذ، والتي تتوقف، كل هذا مرهون ومعه المدينة لانجاز مخططات ومصورات تعترضها رغبات ومصالح وغايات.

هذا كله كما قيل يخلق واقعاً راهناً يرتهن له، ثم تنتظر المشاريع والحلول والانجاز كي تتم معالجة هذا الواقع الراهن لمدينة مرهونة.

 أحد المهندسين المعماريين وصف واقع مدينة دمشق بالأسوأ مما يراه مدير التخطيط والتنظيم العمراني، وانتقد المهندس المذكور التركيبة البنيوية والشكلية للمدينة وسوء العلاقات وعدم الشعور بالانتماء إلى المدينة قائلاً: إن هذه كلها عناوين باتت ثابتة ومستمرة في المدينة وتستمر بالإساءة إليها، وكشف عن نسبة 70% من المخالفات على مساحة 100 هكتار لمدينة دمشق لأبنية مختلفة مخالفة و90% منها أبنية عائدة للدولة، وتساءل عن كيفية السماح لتشييد المشاريع العملاقة في المدينة، وفيما إذا كانت ضمن خطة مدروسة متكاملة، وهل تقع ضمن فترة دراسات المخطط التنظيمي والدراسات التفصيلية، أم ننتظر إنجاز هذه الدراسات.

لكن المشكلات تتعدى رؤانا الجمالية عن مدينة منسجمة مع تاريخها واسمها من حيث الشكل والتنظيم، هنا في دمشق تتفاقم الأزمات لتأخذ شكل الموت القادم من الأرض والهواء والماء، ويؤكد المهندس: إن نسب التلوث الخطيرة داخل المدينة والتي تتعدى التلوث الناتج عن الزئبق وثاني أوكسيد الكربون إلى ملوثات أخرى مسرطنة والتي خلقت واقعاً سيئاً وإشكاليات استدعت دراسة سريعة لطرح المخطط التنظيمي، وأن الحلول الجزئية والإسعافية خاطئة و يمكن أن توصلنا إلى نتائج غير مرضية، وأن العديد من الأمراض التي يعاني منها أطفال مدينة دمشق أقلها الحساسية وأمراض أخرى تكلف نحو 25 مليون دولار سنوياً ثمناً للأدوية، ,وأن سقوط الأمطار يجب أن لا يجلب الفرح لأنها عبارة عن أمطار أو مياه (نتراتية) حمضية وأن التربة تعود للتلوث من جديد بعد تساقط هذه الأمطار.

أما عن مشاريعنا الكبرى والإستراتيجية، والتي ستكون من أهم الحلول لمدينة مستقبلية مزدحمة، مدينة لم يستطع مسؤولو النقل فيها إيجاد الحلول على مدار عقود من التجريب، الصيني والكوري، السيارات الكبيرة والصغيرة، الباص الأخضر والسرفيس الأبيض، الطرق السريعة والتحويلات، لكن ما يعولون عليه هو مشروع المترو، المترو الذي ينتقده المهندس: ضرورة الأخذ بمنظومة نقل عام مدروسة من حيث الكثافات والسكان والفراغات وعلى مراحل قبل أن نبدأ بالتنفيذ مقترحاً إنشاء المترو على جانب الرصيف بدلاً من منتصف الأوتستراد الذي سيكون مشوهاً للمدينة وسوف يتسبب بمشاكل في عبور الطريق وخاصة بالنسبة للأطفال.

ريثما يتم تجهيز مصور عام لدمشق، تبقى المعوقات التي يذكرها ويعرفها مدير التنظيم والتخطيط العمراني، انحسار الغطاء النباتي، وتلوث التربة والهواء، وارتفاع نسب الضوضاء، وجفاف نهر بردى، المستوى المتدني للبنى التحتية من نقل ومواصلات، ومياه وصرف صحي، وكهرباء، مناطق السكن العشوائي، واقع المدينة القديمة ومشكلاتها المستعصية.

بانتظار الحلول الراهنة.. نعيش في المدينة الراهنة..

 ■ عبد الرزاق دياب