بين قوسين جيل العراء والصمت
في حال فكّرنا بالتقاط حساسية إبداعية جديدة في سورية، أين نبحث عنها، وأين سنجدها؟ غياب المنابر المتخصصة في الإبداع أضاع الفرصة لوضع خريطة إبداعية محلية واختبار خصوصيتها البلاغية والجمالية. هل صحيح،كما يردد بعضهم أنه لا أسماء جديدة لافتة؟ ولكن كيف وصل هؤلاء إلى هذا الاستنتاج الصارم؟
فجأة يكتشف المرء أنه لا توجد لدينا مجلة أدبية واحدة، تعنى بالأصوات الجديدة، وتتلمس حساسيتها المختلفة، وأين تقف في خضم التحولات الكبرى التي تطيح بالطمأنينة.
عشرات الأسماء تظهر سنوياً، لكنها لا تجد منبراً واحداً يؤطر هذه التجارب، ومن ثم يضعها في نسق معرفي خاص بها. دوريات اتحاد الكتاب العرب مغلقة على حفنة من المريدين وبحساسية تلغي أية محاولة للاختلاف والكتابة خارج السرب. وزارة الثقافة تفتقد إلى مجلة متخصصة بالأصوات الجديدة، أين تذهب المواهب إذاً، هل تغرّد على شاشة المنتديات و«الفايس بوك» في مدونات شخصية، قد لا يلتفت إليها أحد؟
اليوم لا نعرف أين تذهب الأصوات الجديدة بنصوصها، ومن يواكبها نقدياً ليضعها في سياق ما.
أتساءل هنا، بعد صدور كتاب لشاب ما، ماذا يفعل وأين يضع قدميه، وكيف يكتشف موقعه الإبداعي، بعيداً عن مجاملات الأصدقاء.
كان جيل الستينيات صاحب أكبر عدد من البيانات الشعرية، ويكاد كل شاعر أن يمتلك بياناً خاصاً بتجربته ومفهومه للشعر. أما شاعر اليوم فإنه يولد في العراء، ولا «سجل نفوس» يقيد اسمه في حقل الإبداع.
ربما كان الأمر مبكراً أن نتحدث عن جيل «ما بعد مطلع الألفية الثالثة»، ولكن لا أفق واضحاً إلى اليوم لتسجيل أسماء جيل الألفية الثالثة ولو على سبيل الذكرى، بعد أن اندحر جيل التسعينيات في زوايا ضيقة، منسجماً مع عطالة المرحلة، على رغم كل الزلازل المحيطة، حتى أنه من الصعب اكتشاف جملة جديدة تعبر عن مشهد الألفية بحروبه ومصطلحاته وصورته المتغيرة.
ثمة حالة ضجر، وحالة عزلة، وحطام تجارب، وموت مؤكد.. وهذه الأحوال كلها تستحق التفاتة نقدية ما، لتوصيفها، لرفع راية الخسارة والخذلان.
إنه جيل الصمت فحسب، وأعتقد أنه بحاجة إلى كتابة بيان شعري ثم محوه، فالورق الأبيض دلالة أخرى على الصمت.
هل من يرفع عنقه، ويقول: هذا نصي؟
مرة أخرى هل يعقل ألا توجد مجلة إبداعية واحدة تحتفي بخرائب هذا الجيل؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.