تصنيع الثقافة الراهنة في مشاغل الدعم الأجنبي
موسيقياً يعتبر الرابع من أذار يوماً عالمياً للاحتفال بحرية الموسيقى، وعلى هامش هذا اليوم تعقد الندوات للتعريف بأهمية الموسيقى – البديلة منها على وجه الخصوص- وأجدها مناسبة للنقاش حول «الموسيقى البديلة» في المنطقة وذهنيات العاملين فيها.
ما يلفت النظر حول «الموسيقى البديلة» ومجمل النشاط الإبداعي الثقافي بشكل عام هو تهافت الدعم الأجنبي من المنظمات والسفارات والمراكز الثقافية، والذي ازدادت وتيرته بشكل ملحوظ مؤخراً، حتى أصبح من الصعب تماماً القيام بأي مشروع ثقافي إلا بالاعتماد على هذا الدعم، فقد أصبح جزءاً لا يتجزأ من واقع النشاط الثقافي العربي.
الكثير من مثقفي الدعم الخارجي يؤمنون بأنهم جزء من مشروع النهضة المحلي، ويؤكدون مراراً وتكراراً بأنهم لا يخضعون لأي شروط مقابل هذا الدعم، ولكن لأي مدى؟
في الشهر الماضي مثلاً احتفلت السفارة الأميركية في أكثر من دولة من دول العالم الثالث بشهر الثقافة الأفروأميركية، وفي عمان أقيم حفل لموسيقى «الهيب الهوب» المنتشرة في أوساط الأفرو أميركان، وكان الشرط الأساسي للفرق المشاركة: «لا نريد أي طرح لمواضيع سياسية»، رغم أن هذه الموسيقى ما بدأت إلا كردة فعل من الأفروأميركان على أوضاعهم الاجتماعية المتردية.
كذلك مشروع «رسل الحرية» الذي ظهر مؤخراً في مصر والأردن ولبنان بميزانية عالية جداً، وهو مشروع برعاية مباشرة من كلية «RADY» الأميركية و«MEPI» المنظمة الغنية عن التعريف، والتي يُظهر موقعها الإلكتروني ارتباطاً واضحاً بالحكومة الأميركية.
استقطب المشروع في البلدان الثلاثة مسرحيين وصحفيين ومنتجي أفلام ومدونين وموسيقيين، وخصوصاً محترفي موسيقى «الهيب الهوب» العربي.
وكلٌّ من التدوين وموسيقى الراب من الثقافات الحديثة العهد في الواقع الثقافي العربي، والتي تلقى رواجاً شديداً لدى جيل الشباب، واهتمام مشروع ما هذا الاهتمام بهذه الثقافات الحديثة لهو أمر ملفت، وعلى كل حال فقد ركز أحد قادة المشروع في الأردن، في إحدى الورش التدريبية على أهمية الفكر الليبرالي، وبأنه الحاضنة الأضمن لحماية حقوق الصحافيين! مع ذلك يقول مثقف المراكز الثقافية الأجنبية ويتبجح: لم يطلبوا مني شيئاً لقاء دعمي!!
وعلى فرض ذلك فإن الأخطر في الدعم ليس الشروط المباشرة من ورائه، بل ربما يسمح لك الداعم بنقده كداعم خارجي ونقد سياسة الولايات المتحدة الأميركية والليبرالية مباشرة، ولكن في النهاية فهو المنتصر، عبر سياسة استلاب الوعي الكامل الذي يخضع المثقفين لآلية معينة لعملية الإنتاج الثقافي حين تصبح خاضعة بالمطلق للهيمنة الخارجية. فهل يمكن في لبنان أو مصر أو الأردن، وهي أكثر الدول سماحاً لتلك المنظمات بالعمل والانتشار، تصور آلية وطنية للعمل الثقافي بعيداً عن أيدي Ford Foundation أو EMPI أو US Aid أو المراكز والسفارات الأجنبية.
على مر السنوات فإن تهجين المثقفين بتنميطهم وتنميط نتاجهم الثقافي هو العملية الأخطر التي تقبع وراء دعم تلك المراكز والمنظمات، وفي يوم حرية الموسيقى هذه دعوة لكل مثقف أو موسيقي ليكون مؤثراً فاعلاً لا مفعولاً به.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.