فيلم «بالألوان الطبيعية»: الفن على مشرحة العيب والحرام
يحاول فيلم «بالألوان الطبيعية» للمخرج أسامة فوزي والمؤلف هاني فوزي، أن يعود إلى السؤال الأول الذي طرحه الاثنان في فيلمها السابق «بحب السيما».. وهو: ما علاقة الدين بالفن؟ وما حدود هذه العلاقة و أُطرها الفكرية حين تلتبس العلائق في مجتمع يعاني كل حالات الجذب والتجاذب القيمي والفكري بفعل منظومة من الموروثات التي تنمي الاختلاف دون أن ترعى طرائق وثقافة احترام وتقبل الآخر؛ إلى أن وصل الأمر حد وجود منظومات تفكير أصولية إقصائية إلغائية في الجانبين (الدين والفن).
ينطلق الفيلم لتركيب بناه السردية من تفكيك الثيمة الأساسية (العلاقة بين الدين والفن) إلى خطوط درامية متفرعة ترتبط بحيوات شخصياته المجتمعة في بوتقة «كلية الفنون الجميلة- قسم الفن التشكيلي» على اعتبارها اللبنة الحكائية للتعبير عن المجتمع ككل. في إشارة للدور الكبير الذي تلعبه الجامعات باعتبارها حلقة الوصل بين مرحلة التلقي والتأثير العملي من حيث تكوين شخصية الفرد العملية، وبالتالي دوره في المجتمع، وباستعراض لحالة الاستقطاب الفكري للشباب الجامعي. فنرى شخصية بطل الفيلم «يوسف» (الفنان كريم قاسم) الذي يهوى الرسم، ويمتلك موهبة متميزة يلتحق بكلية الفنون الجميلة رغم رغبة والدته في أن يدرس الطب. وفيها يصطدم بنظم الكلية، و يهرب للمرة الأولى عندما يجد نفسه مضطراً إلى رسم جسد عار (موديل)، وهو ما يوقعه في صراع قيمي بين فكرتي الحلال والحرام، والصح والخطأ في عرف المجتمع، والذي يعكسه على شكل أسئلة لله. ثم يعود إلى الكلية فارضاً موهبته على من حوله، وصولاً إلى تقديمه مشروع تخرجه معتمداً على تصوير فكرته عن العقاب والثواب، والجنة والنار باعتبارها جزءًا من العالم الداخلي للإنسان أكثر منها مكاناً فعلياً يتم فيه العقاب والثواب. إلا أن هذا الاستنتاج الذي وصل إليه بطل الفيلم اختلف تماماً عند البطلة «إلهام» (الفنانة يسرا اللوزي) التي ارتبطت بعلاقة عاطفية مع كريم وصلت إلى العلاقة الجنسية. لكن إحساسها بالذنب بسبب هذه العلاقة يدفعها إلى الحجاب، ثم النقاب، ثم إلى تغيير دراستها بعد ذلك إلى هندسة الديكور كتعبير عن التغير الكامل في الفكر والإرادة.
يركز الفيلم أيضاً على فساد التعليم من خلال قيام الأساتذة باستغلال الطلبة بدءاً من عميد الكلية، ويقدم بقية الأساتذة على شكل شخصيات كاريكاتورية هزلية تأكيداً على ضعف دورهم في العملية التعليمية؛ باستثناء أستاذ واحد يحترم مهنته ورسالتها، في إحالة على أزمة الفن والفنان المعاصر في مواجهة المجتمع، ومقدماً نقداً لكل شوائب العملية الفنية التي لا تقتصر على الفن التشكيلي فقط، لكنها تمتد لباقي الفنون.
لكن الفيلم لا يكتفي بذلك بل يطرح موضوعة الصراع الدائر بين الطوائف والفئات في المجتمع في مشهد «قاعة الرسم» التي اختلط فيها صوت الموسيقى الأجنبية مع الشرقية، وصوت الأذان مع جرس المسيحي في مشهد واحد يحاكي جوهر الصراع المتمثل في فرض القناعات والأفكار.
لماذا خلقني الله موهوباً طالما الفنون من المحرمات؟ يسأل«يوسف» ربه بعد صراعه النفسي ما بين رغباته، وبين منهج مجتمعه الذي ما يزال يعيش شتات الخلط بين الدين والعادات، وبين الموروث الاجتماعي والديني. وبذلك يفتح الفيلم المجال للتفكير والجدال حول الفرق بين قيمة العقيدة، وبين معنى وتأثير الموروثات والعادات على المجتمع، ويسأل سؤال الوجود الأهم: هل الحياة هي رغبة ذاتية ومشيئة حرة أم قدر ومشيئة إلهية؟ وهل يعني تحرر العقل تحرير الجسد؟
الفيلم وعلى أهمية قضيته وخطورتها قد وقع في فخ الوعظ التربوي المباشر، والسردية التي تصل في كثير من الحوارات حد الإطالة المملة التي قد تختلف مع فلسفة الصورة ومدلولاتها ،وحتى استنساخ المشاهد، إضافة للكثير من المشاهد الجنسية المجانية التي لا سياق نصي لحدتها ومبالغتها.
حصيلة عرض الفيلم، موجة من الاعتراضات والانتقادات أهمها من طلبة وأساتذة كليات الفنون الجميلة المصرية عبر بيانات وتصريحات صحفية، وإنشاء مجموعات على «الفيسبوك» للمطالبة بوقف عرض الفيلم محتجين بما سموه (الكذب وتزوير الحقائق) حيث أن قضية «الموديل العاري» التي يقدمها الفيلم كمستند من يقول بالتحريم تم إلغاؤها منذ عام 1974م، وأصبحت مادة الرسم التي تعتمد علي الموديل مادة تتعامل مع الموديلات وهم بكامل ملابسهم، أما مادة «التشريح» فصارت مادة نظرية بحثية لا يستخدم فيها الموديل من قريب أو بعيد..!