العدس يغلي..  وابتسامة خاتم الألماس لا تنتظر!

العدس يغلي.. وابتسامة خاتم الألماس لا تنتظر!

يتابع السوريين مسلسلات الموسم الرمضاني الحالي رغبة منهم في الابتعاد عن أجواء الحرب التي يعيشونها وهرباً من أخبار الموت والدمار، وتأتي الحرارة العالية وانتهاء فترة المدارس مرافقة لهذا الموسم فتعزز من احتمالات متابعة الناس لعدد أكبر من المسلسلات نتيجة لبقائهم في بيوتهم فترات طويلة.

 

كان لحالة الانقسام في المشهد السياسي في سورية تأثيراتها الواضحة على المشهد الثقافي والفني، وهو ما ظهر واضحاً في الدراما السورية لهذا العام. ما يميز غالبية الأعمال الدرامية السورية في هذا العام هو تركيز النقاش حول فكرة جوهرية، أن الأخلاق هي السبب فيما وصلنا إليه اليوم، وأن الناس و«أخلاقهم السيئة» هم سبب البلاء، ولذلك يكون عليهم تالياً، وإن لم يقل ذلك صراحة، أن يتحملوا ما أنتجه فكرهم وأخلاقهم! 

رغم ما وصلت إليه الدراما السورية في السنوات السابقة من مستوىً عالٍ وصل حد تحقيق مستوى عال في المنافسة في سوق الدراما العربية (وإن لم يكن هذا الأمر كافياً للحكم على المستوى)، ولكن يؤكد الكثير من المتابعين أنها لم ترتق في هذا العام إلى المستوى المتوقع والمطلوب في بلد يعيش ويلات الحرب.  

لا يخفى على المشاهدين والمتابعين، ما تطرحه هذه المسلسلات من أفكار معبرة عن اتجاهات محددة في ظل صراع بين قوى مختلفة في قلب الأزمة السورية.

نبتدي منين الحكاية

قد يشي العنوان بنوع من المواربة، أنه سيكون مسلسلاً عن الحكاية التي تعيشها البلاد، حكاية الأزمة والحرب والموت، حكاية السياسة والخوف، حكاية الصراع الدائر في البلاد الذي اكتوى به الناس ولم ينته بعد، ربما اعتقد المشاهدون أنهم سيرَون حكايتهم هم، ولكن المسلسل قص حكاية من نوع آخر عن دمشق أخرى يعيش فيها المترفون، البيوت الفخمة والسيارات الفارهة..

إن تأكيد المشاركين في المسلسل على أهمية الإنتاج الفني الذي يعتمد النوع وليس الكم، وأن «النص بنية ذكية لمجموعة حكايا في شكلها حكاية حب ولكنها في المضمون تصور كيف يتعامل الإنسان السوري مع إحساسه بوطنه سواء من خلال علاقات الحب أو بشكل مباشر»،  وأن «المسلسل اجتماعي يطرح قضايا موجودة بحياتنا حتى في ظل الأزمة لأنه يحكي عن الإنسان السوري وتفاصيل من حياته اليومية»، لم يمنع المتابع الفطن ولا حتى المتابع العادي من الانتباه إلى أن المسلسل لا يعرض في حكاياته عن الإنسان السوري، بل عن طبقة محددة بعينها، الطبقة المترفة. يناقش المسلسل في العمق العلاقات الاجتماعية وتحكم الاختلافات الدينية والطائفية فيها، ومستوى حرية الفرد، ويحملها وزر الأزمة التي تعصف بالبلاد بشكل غير مباشر، ولكن رغم أن هذه المشكلات موجودة فعلاً في المجتمع ولكنها ليست السبب الرئيسي للأزمة. بالنسبة للسواد الأعظم من السوريين تبدو حكاية خيالية ليس لها علاقة بهم بقدر ما لها علاقة بالفكر الذي يجري الترويج له، وهو أن سبب مشكلاتنا وأزمتنا يكمن فينا، لأننا لم «نتحرر» بعد. 

نص يوم.. نص حلم

كتبت إحدى المتابعات على صفحتها في فايس بوك:

«في أحد المسلسلات المعروضة حالياً على الشاشات، يضيع خاتم البطلة الألماسي، والذي (لا أقوى على تخمين ثمنه) فيقوم البطل الوسيم والشهم أيضاً، بشراء آخر خفية عنها ويضعه على حافة السرير مدعياً أنه وجده بالصدفة، كل هذا حتى لا يرى الحزن في عينيها الجميلتين.. أجل من سيصدق؟ إلا كاتب السيناريو الحالم، ومتابعيه الخياليين، بتراجيدية عاطفية خيالية موشاة بترف باذخ، في هذا الشهر الفضيل حيث لا أعرف كيف أعاجل الوقت مع الازدحام والحر الشديدين في الأسواق والطرقات حتى الأرصفة، محفزة خطواتي متجاوزة المارة بذراعي المثقلتين بالأكياس والحاسبة الصغيرة في رأسي: بندورة، خيار، كوسا وعدس.. المبلغ المتبقي ألف ليرة.. حسناً يكفي لشراء علبة الزيت، محدقة في ساعتي متجاوزة الأرقام: ستفوتني ردة فعل البطلة حين تكتشف كذبه الحلو!

أكتشف بيني وبين نفسي أن زحمة المسلسلات تسبب لي الاضطراب مع صراخ الأطفال وتذمر زوجي الدائم بسؤاله المتكرر: ماذا ستعدين على الإفطار اليوم؟

وعلى عجالة بينما أُعِد الطعام، أنهي سندويشات صغيرة لصغاري، فأنا منهكة حتى الثمالة بمتابعة شاشتي، الثياب الأنيقة، البوتكس، الشفط، النفخ، السيارات الباهظة والمنازل الفخمة مع قصص حب لم أسمع بها في حارتنا الصغيرة ولا في جارتها الكبيرة وحتى جارة جارتها..

كم هائل من الدهشة بكبسة زر يهاجم بيتنا.. وأكثر ما يصيبني بالامتعاض الطلبات التي تتهافت علي مع توقيت عرضه، حيث يقف الممثل الوسيم الشهم بكل تواضع يلبسها الخاتم قائلاً بلهجته السورية المحببة: «مو بس يضيع خاتم.. يضيع مية خاتم وما شوف الحزن بعيونك.. العدس يغلي على الغاز.. وحواسي منشغلة بالبحث عن الحزن الذي هرب من عينيها ولم يتجرأ على الاقتراب! يبدو أنه ترك الشاشة كلها ليقطن بيننا في منزلنا ومدينتنا وشوارعنا، في وجوه الباعة المتجولين يبيعون البندورة والبطيخ  تحت حر الشمس، في وجه الجارة العروس التي لم تلبس فستانها الأبيض لأن الجنازات كثيرة في البلاد فجاء بها عريسها على صهوة فَقْرِه».

يكفي ما ذكر هنا لمعرفة انطباع المشاهدين عن هذه المسلسلات وإحساسهم بالغبن مرتين: في الأولى يجري تحميلهم أسباب ما وصلت إليه البلاد، وفي الثانية اضطرارهم متابعة هذه القصص كلها، وتحملها وسرقة فسحة استراحة ممكنة في زمن القلق والموت.

ورغم ما يحققه مسلسل «نص يوم»، (سيناريو وحوار باسم السلكا، وإعداد وإخراج سامر البرقاوي) من نسب المشاهدة العالية، إلا أنه ومنذ بداية عرضه، بدا واضحاً أن قصة المسلسل مأخوذة عن فيلم original sin الخطيئة الأصلية ــ 2001 لأنجلينا جولي وأنطونيو بانديراس، واستمر اقتصاص العمل مشاهد من فيلم «فوكس» بطولة ويل سميث، واقتطاع قصص من أفلام أخرى، التمادي في قص ولصق الأفلام العالمية وتوليفها بطريقة مدروسة حول المحور الأصلي للمسلسل، فتح الباب على مزيد من التهكّم على المسلسل، يعتقد صناع المسلسل أنه يمكن خداع المشاهد وأنه يكفي توليف القصة ليصبح مباحاً لهم ما يريدون تمريره من خلال القصة المطروحة.