بين قوسين: تفسير أحلام
هناك فكرة متداولة تقول إن الإنسان السوري كائن سياسي بامتياز. الفكرة تقال من باب المديح بالطبع. أحاول هنا أن أنسف صحة هذه النظرية أو ضرورتها، فالكائن الطبيعي لا يحتاج إلى أن يرش توابل السياسة على فطيرة التفاح، لأنها ببساطة فطيرة تفاح فحسب.
يستيقظ الكائن السوري صباحاً، ويتجاهل بهجة فنجان القهوة، ومعنى عبارة «صباح الخير»، ويغرق في نشرة أخبار يخترعها هو شخصياً، فتصبح عبارة «الطقس ماطر» دلالة على تغيير حكومي وشيك، وينسى أن يستمتع بأغنية يبثها الراديو فسوف يفسر كلماتها على ضوء قاموسه السياسي، لأنه ببساطة كما يقال عنه «كائن سياسي»، وتالياً ينبغي أن يعمل في مهنته. هذه الإشاعة يصدقها سائق التاكسي، وصاحب البقالية، وكاتبة الأبراج في الصحف، وبائع المحروقات، والمثقف بالطبع.
هكذا تختلط في مطبخ دماغه أفكار متناقضة، يحاول على الدوام سحب الورقة الرابحة، كي يبز بها الآخر، في مبارزة وهمية، في حين أنه بالكاد يلتفت إلى صورته في المرآة. ولكن ماذا لو أن هذا الكائن السياسي العتيد، استعمل حواسه الطبيعية دون أن يخلط الأوراق؟ كأن يشم رائحة هواء الصباح بكل ما لديه من شهيق وزفير، ودون أن يتهم أحداً ما بأنه أفسد هواء المدينة، ويتجاهل عن قصد، كيس القمامة الذي ألقى به ليلاً من البلكون، أو أن ينظر إلى الأشياء حوله، كما هي، كي يمنحها اسمها الحقيقي، وليس اسمها المجازي، فالوقت هو الوقت، وليس «زنزانة الزمن» مثلاً»، ومكان العمل، مؤسسة أو إدارة، وليس مقبرة مثلاً، وكلمة «أحبك»، تعني أحبك، وليس شيئاً آخر.
في باب النظر، لا يلتفت الكائن السوري إلى ما حوله مباشرة، بل يرنو إلى البعيد البعيد، ويتأمل الماورائيات ،وكأنه حكيم هندي.
لا يرغب بما هو متاح، فهو يحلم بامتلاك سيارة فخمة، وهو يقود سيارته المتواضعة. لا تعجبه إطلالة منزله، فيدخل في متاهات عقارية. يقرأ في الإعلانات عن منزل بإطلالة رائعة، وحين يراه، يكتشف أن الإطلالة الساحرة لا تتجاوز حبل غسيل الجيران في المنور.
وفي باب السماع، فهو يصدق الإشاعات على الفور مهما كانت تركيبتها الكيميائية، وليس لديه أي وازع من ضمير، بإضافة توابل هندية من عنده، تجعل مذاق الشائعة بنكهة أقوى، مما تذكي موقد النار على نحو أفضل، حتى لو كانت لديه معلومات مضادة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.