عمر بريك عمر بريك

فرصة عمل.. ضائعة

«مطلوب شاب أو شابة للعمل في شركة تجارية».. هذه الجملة هي من أكثر الجمل حساسية للعقل الباطني لمتصفح الجريدة الإعلانية، فيكفي أن تقع ضمن نطاق البصر الهامشي له حتى يتوجه كل تركيزه إلى الزاوية المتضمنة الجملة السابقة الذكر، وقد زاد من أهميتها ما أولته الحكومة من جهود ملحوظة في سبيل رفعها إلى مستوى أهم عشر عبارات في سورية بعد أن تبرأت من معظم التزاماتها تجاه الخريجين من حملة شهادات المعاهد والجامعات، حتى أصبحت هذه العبارة تنافس عنوان «مطلوب للعمل في الخليج»!.

تبدأ مهمة البحث عن عمل من خلال صفحات الجريدة، ثم عبر خطوط الهاتف لتحديد موعد المقابلة الذي غالباً ما يأتي سريعاً على عكس اللجنة الفاحصة. وبعد الاتفاق على زمان ومكان المقابلة، يذهب المتقدم لفرصة العمل محملاً بكل أحلامه وطموحاته، معتمداً على ثقافته وحنكته، ومصطحباً معه سيرته الشخصية التي دون بها خبراته ومهاراته، ومرتدياً أبهى ثيابه استعداداً لخوض معركة التوظيف.!

يصل الحالم بالعمل قبل ربع ساعة من الموعد المتفق عليه، ويجلس قرابة الساعة من الزمن وهو ينتظر قدوم من سيجري المقابلة معه، وكله يقين بأن الاختبار قد بدأ فعلاً، وأن هذا هو الجزء الذي يمتحن قدرة التحمل.

وبعد طول انتظار تبدأ المقابلات بسلسلة من الأسئلة الروتينية، لكن سرعان ما سيفاجأ طالب العمل بالشخص الفاحص وقد غير مسار الحديث كلياً، ليقول بكلمات أجنبية، لكن بلكنة عربية: «تل مي أباوت يور سيلف إن إنكلش».. أي حدثني عن نفسك بالإنكليزي، وهنا يكون الذهول جواب معظم المتقدمين ممن لم يتعلموا اللغة الإنكليزية خارج إطار المدارس الحكومية..

ينتهي الاختبار.. ينتهي فجأة.. ينتهي حتى من دون أن تُقرأ السيرة الشخصية للمتقدم. ويرفع صاحب العمل الجلسة راجياً للمتقدم الحالم، المذهول، حظاً أوفر، كما في برامج المسابقات، تاركاً إياه ساهماً قانطاً، يطرح على أنفسه أسئلة لم ينتبه إليها من قبل، حول التاريخ العريق للغة العربية.. يراجع قروناً من تطورها، ويسأل نفسه: هل كان أبو الأسود الدؤلي سيتعب نفسه بالتنقيط لو كان يعلم ما ستؤول إليه لغتنا؟ وهل كان سيبويه والفراهيدي أتعبا نفسيهما في الإعراب والتفسير و(التفعيل)؟ ألم يقاوم أجدادنا في كل مكان المحاولات الاستعمارية الرامية لفرض لغة المحتلين عوضاً عن اللغة العربية؟ كل هذا المخزون الثقافي الذي لدينا يفقد قيمته فجأة إذا كنا لا نستطيع أن نعبر عنه بالإنكليزي؟!.

هل أصبح عام من تعلم اللغة الأجنبية يضاهي عقوداً، بل ربما قروناً من تعلم اللغة الأم؟

 يخرج العربي من مكتب التوظيف، وينفض عن عاتقه كل حمله الثقافي باستثناء مقطع من نشيد قديم أخذ يردده: «لسان الضاد يجمعنا بغسانٍ وعدنان».. وكله قناعة بأن غسان وعدنان كانا عاطلين عن العمل.