نبيل المالح... كا ما قدمته اسكتشات والقادم أفضل.
عندما نسترجع الذاكرة السينمائية المحلية لا بد من المرور على عناوين مثل الفهد أو بقايا صور أو كومبارس... تلك المحطات التي أثرت في البنية الثقافية السورية وشكلت حضوراً عالمياً للسينما السورية عندما كانت السينما إحدى الفنون غير المغضوب عليها... وكان من رجال تلك المرحلة المؤسسين المخرج نبيل المالح الذي لديه الكثير مما يقوله حتى أكثر مما سيرد أدناه..
ـ السينما السورية كمنتج... أين هو الخلل الحقيقي... لنوصف الراهن السينمائي المحلي؟
عبرت سابقاً لصديقة أجنبية طلبت مني أن أوصف النظام الرسمي العربي ككل برسم كاريكاتيري لرجل نحيل صغير الرأس ولكن كبير البطن، فمه أكبر من رأسه، قدماه لا تقويان على الوقوف ولكنه يلبس بسطاراً، ويدان نحيلتان تحملان رشاشاً أكبر من الجسم، أذنان كبيرتان جداً... هذا الشكل المشوه يعبر عن أي مؤسسة رسمية عربية بما فيها حال السينما في سورية، إنه عجز مطلق، مع العلم أن ما يمكن أن يعبر عن سورية هو الإبداع فحسب، فبلد صغير مثل بلدنا لا يمتلك شيىءً سوى عقله والإضافات الإبداعية التي يمكن أن يحققها... وضع السينما ممسوح ليس له نتوءات، إنه طاقة غير عاكسة فقط طاقة تمتص المواهب وتبيدها، كل هذا ناتج عن تراكم أخطاء الإدارات المتلاحقة في المؤسسة العامة للسينما، هذه المؤسسة التي من المفترض أنها تمثل وضعاً استثنائياً في السينما العربية، من حيث قدرتها على تمويل الأفلام بالكامل دون أن يبحث المخرج عن هيئات خاصة تموله، هذه الظاهرة كان من الممكن أن تنتج إضافات هامة في الواقع الثقافي العربي، ولكن تم وأدها وشلها وتحويلها إلى مؤسسة بيروقراطية شخصية صغيرة لا وجود لها في المشهد الثقافي السوري... لقد امتلكت تلك المؤسسة القدرة على محو تاريخها بشكل كامل من حيث أنها كانت الضوء الكاشف في الفنون في سورية وكانت كل الفنون تستعير منها إبداعاتها وكوادرها.
ـ خلافك مع السينما الحالية يأخذ طابعاً فردانياً شخصياً بنظر الجهة الأخرى...
أنا كنبيل المالح مؤسسة كاملة، ولا أرى مؤسسة السينما كلها، فقط ألاحظ القيمة التخريبية التي تؤديها في السينما السورية، وأعتقد بأن الخراب الذي حصل في داخلها بحاجة إلى وقت طويل جداً للإصلاح، الشيء الوحيد الذي يمكن الاستفادة فيه من مؤسسة السينما هو هذه الأجهزة التي تم شراؤها بمبالغ كبيرة سابقاً رغم أنه أصبحت أجهزة قديمة تقنياً.
ـ إذا كان في يدك كف التحكم بالسينما في سورية ما خطواتك؟
هذه المناصب القزمية تصلح للأقزام كما هو قائم الآن ولكن بالمنظور العام إذا وجهت نقداً كمتفرج، أرى بأن يعاد للمؤسسة موقعها المتقدم كمنطقة رؤيوية بحاجة إلى رؤيويين يؤمنون بأننا لا نملك إلا القيمة الإبداعية الإضافية من خلال الجيل الشاب الجديد والتجارب الجديدة والمغامرات وهذا يتطلب شجاعة كبيرة مع ثقتي بوجود جيل شاب مخضرم لديه موقف ويمتلك حصيلة معرفية ومشروعاً إبداعياً فقط يجب أن تتاح له الفرصة، فهذه المبالغ الطائلة التي تنفق على مهرجان دمشق السينمائي الخاوي يمكن أن تنفق على أفلام قصيرة لعدد كبير من الشباب يمكن من خلال ذلك اكتشاف المواهب الشابة.
ـ نرمي رداءة منتجنا دائماً على الرقابة والمؤسسة الرسمية ... ها هي التجربة السينمائية الإيرانية تتجاوز ما هو أصعب من وضعنا رقابياً؟
إيران حققت تقدماً لأنها حققت ما كنت أطالب به منذ الثمانينيات، وهو الصندوق الوطني للسينما وهو لا علاقة له بهذه البنية البيروقراطية الشخصاني في البلد، يمول الصندوق المشاريع السينمائية ويستعيد حقه من شباك التذاكر، كما تم حماية السينما الإيرانية بإيقاف استيراد الأفلام الأجنبية تماماً لتسويق المنتج المحلي، وكان المنتج المحلي على سوية سينمائية عالية، وتم فتح المجال أمام الإنتاج المحلي وقدر السينمائيون تحقيق الابتكار رغم الضغوطات الرقابية، وكان لديهم فرصة إنتاج أكثر من 80 فيلماً في السنة، وبالتالي تم طرح قامات سينمائية عالمية.
ـ إذا كان كوستوريتسا يقدم الصرب واليوغسلاف وألمودوفار الإسبان وكوروساوا اليابان من يقدمنا نحن كمجتمع له شيء من الخصوصية؟
سورية تم تمثيلها بكاميرا نبيل المالح ومحمد ملص وبعض أفلام عبد اللطيف عبد الحميد، ولدينا نحن أفلام وصلت إلى الحالة العالمية ومثلتنا في الخارج، ففيلم "الفهد" مثلاً تم تصنيفه كواحد من أهم عشرة أفلام في آسيا إلى جانب أفلام لكبار رجالات السينما مثل كوروساوا، لكن مؤسسة السينما لم تسمح بإرسال هذا الفيلم إلى بانثيوم السينما الآسيوية... نحن موجودون ولكن لا ندري ذلك كما أننا لا نصدر أنفسنا ونحاول تدمير قاماتنا بشكل منهجي.
ـ ما هي التجربة العالمية التي تستهوي نبيل المالح؟
أكثر ما يعجبني هي تجربة إمير كوستوريتسا، فمن بلد صغير متمزق قدر أن يصنع منهجاً سينمائياً شخصياً ومغامراً ضمن عالم له أطر مكرسة ومنمذجة في السينما، لقد خرج خارج اللعبة تماماً، وسابقاً كنت معجباً بفيليني وقدرته على الاختلاف وتقديم الجديد في كل منتج بالإضافة إلى آلان رينيه وبيرغمان.
ـ هل ما زلت تصر على مشروعك حالياً؟
نسيت كل ما قدمته في حياتي والآن أبدأ السينما من جديد.. كان ما قدمته اسكتشات والقادم أفضل.