المناضل الطبقي «روبن هود» يواجه الأزمات الراهنة
كثيرة هي الأفلام السينمائية التي تناولت أسطورة البطل الشعبي الانكليزي (رمز الصراع الطبقي وإعادة توزيع ثروات المجتمع) الملقب بـ«روبن هود» منذ أولها «روبن هود ورجاله السعداء» للمخرج بيرسي ستو عام 1908، ولطالما قدمت، وأن اختلفت زوايا الرؤيا، ممزوجة بما تحمله السير الشعبية من طرافة الشخصيات الفهلوية التي تظهر على مر العصور كـ«جحا، لص بغداد، علي الزيبق»، وكثيراً ما اختلف المؤرخون الغربيون في تحديد واقعية الشخصية، فالبعض يقول إنها حقيقية، والبعض الآخر يقول إنها فلكلورية من نسج الخيال، أو هي خليط من شخصيات عدة عاشت في أزمنة مختلفة.
في هذه النسخة، يقدم المخرج البريطاني «ريدلي سكوت» صاحب البحوث البصرية النقدية في أفلامه «قهر الفردوس، مملكة السماء، المصارع» استمراراً لفلسفته البصرية في نقد التاريخ وتشريحه. لكن ليس بتتبع مفاصل الأسطورة /الشخصية لروبن هود اللص الشريف، بقدر ما هي خروج على الأسطورة بالمعنى الحرفي؛ ليقدم استقراء للظروف التي رافقت وأدت لظهور هذه الشخصية، واستحضار لما رافقها من المفاصل التاريخية بغرض توظيفها لتقديم رؤية نقدية لعالم اليوم وأزماته الراهنة.
يبدأ الفيلم من عودة الملك الانكليزي ريتشارد قلب الأسد من حملته الصليبية في القرن الثاني عشر، بكل ما خلفته تلك الحملة من دمار وبشاعة وسفك دماء، عارضاً لما تسببت به تلك الحروب المتلاحقة من أزمة مالية خانقة عصفت بأوروبا، ثم يتطرق لعلاقات الحكم الاستبدادي وعلاقة المواطن والدولة، وانتشار الفساد والضرائب الباهظة، وخداع الشعوب بوعود الإصلاحات للوقوف في وجه العدو الذي يتهدد الدولة، ثم التراجع عن تلك الوعود حين زال الخطر، وبهذا الاستحضار يحاول سكوت تقديم رسالة أخلاقية تدين حروب الإمبراطوريات الجديدة، وعلى رأسها أمريكا، ومن خلفها بريطانيا، في ما سمي بالحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق؛ حين يستحضر تحالف ريتشارد ملك انكلترا والفونس ملك فرنسا خلال الحملة وخلافهما بعدها، وهو هنا يقدم نقداً شديد اللهجة لنتائج تلك الحروب ومجرياتها حين يتحدث عن المجازر التي ارتكبت باسم الحق الإلهي في الأراضي المقدسة تحت حجج واهية وكاذبة. لكن اللافت هنا حين يسمي الفيلم صراحة تلك الأرض بـ«فلسطين» وهو ما عرضه لانتقادات اللوبي الصهيوني التي تعيد للأذهان ما رافق فلميه «مملكة السماء» و«كيان من الأكاذيب» اللذين ينتقدان صراحة ممارسات الإدارة الأمريكية السابقة في منطقة الشرق الأوسط.
لكن أهم ما يقدمه الفيلم، عبر حواراته، هو تحليل الأزمة المالية القديمة وإسقاطها على الأزمة المعاصرة من خلال الحديث عن انتقاد الحكومات، والدعوة إلى إعادة النظر في توزيع الثروة ونظام الضرائب المفروض على المواطن، في ظل أزمة مالية خانقة، والحد من بذخ الطبقات الحاكمة، وانتقاده للحكام بإسقاط مباشر على شخصية الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن، من خلال شخصية «جون» الأخ الأصغر للملك ريتشارد الذي يظهر بمظهر الملك ضعيف الشخصية، أرعن وفاسد..
هذه الإسقاطات تعكس مدى نفاذ رؤية سكوت وقدرته على استخدام التاريخ كمرآة لعكس الواقع الحالي. بينما في النصف الثاني من الفيلم ترد الفكرة الرئيسية التي يصوغها سكوت بفلسفته البصرية المعتادة في تقديم شحنات ملحمية عن قدرة الإرادة الإنسانية على تجاوز الأزمات مهما كانت.
لكن ما وجه الفيلم كنتيجة منطقية لتحميله تلك الثيمات والطروحات أن خفت في خضم هذه الأحداث خفة الظل، وأوار العلاقة العاطفية التي جمعت «روبن وماريان» التي كانت هي الطابع المميز لكل المعالجات السابقة، ودفعت الكثيرين لحب هفوات هذه الشخصية وأفعالها، وكانت تدفع لنغفر للبطل كل زلاته وأخطائه.