ولكن أين الإنتفاضة؟
ما شهدناه يوم 15/5/2011 كان تبشيراً بانتفاضة فلسطينية ثالثة حقاً، انتفاضة تنطلق من تراكمات الوعي الوطني الفلسطيني، ومن خبرات نضال هذا الشعب ، ولاسيما في الانتفاضة العظيمة «انتفاضة الحجارة»، وتتجاوز مهاوي ومزالق «انتفاضة الأقصى»، بفارق السلمية بين التجربتين.
حقاً كنا نشهد مخاضاً..!
وحقاً كنا على وشك فتح صفحة جديدة في تاريخ قضية فلسطين!
هذه بشائر اللاجئين في مارون الرس، في الجولان السوري المحتل، في حاجز قلنديا في قدسنا العربية المحروسة بأرواح الشهداء، وفي معبر بيت حانون شمالي قطاع غزة المظفرة، وفي العريش المصرية، وفي كرامة العرب الأردنية..
هذا ما صدحت به الحناجر وهي تخترق الحدود: «الشعب يريد تحرير فلسطين».. «الشعب يريد إسقاط إسرائيل»..
لكننا في اليوم التالي للحدث الذي شهدته ذكرى النكبة وجدنا أنفسنا في أسر حالة إعلامية فقط، فسرعان ما عاد الهدوء، وسرعان ما عادت قضية اللاجئين وملف حق العودة إلى مكانها القديم على الرفّ، رف الأمل.. الذي بات أقل غباراً بلا شك.
ولأن المشهد قد وصل إلى ما وصل إليه عاد الشباب للتخطيط لحراك آخر في ذكرى «نكسة حزيران»، فكان ما كان في منطقتي «عين التينة» و«الحميدية» في الجولان السوري، مع غياب الزخم البشري على أمكنة الأخرى، خصوصاً في الجنوب اللبناني تحسباً للرد الصهيوني القاسي، وهو ما حدث على الجبهة السورية حيث سقط /22/ شهيداً، و/360/ جريحاً.. في يومٍ دامٍ للغاية، فتوزعت مخيمات اللجوء السورية الشهادة في تقديم شبابها من أجل فلسطين.. وكان للتشييع في اليوم التالي لذكرى النكسة قيامة مخيماتية كبرى، انتهت إلى صدامات دامية مؤسفة في مخيم اليرموك، وهو ما لم يحسب له حساب.
الهدف الأساس للحراك الشبابي الذي أخذ شكلاً شعبياً مستقلاً هو إشعال انتفاضة فلسطينية كبرى.. انتفاضة سلمية ثالثة تستعيد وهج الانتفاضة الأولى، عبر تفعيل جميع الطاقات الشبابية الفلسطينية، في الوطن والشتات، سيراً على نهج الثورات العربية الجارية، ولعل الدور المعنوي الفلسطيني من المكانة بحيث لا يقبل جدالاً، وهو ما سرّع دخول الفلسطينيين على الخط، لكونها (أعني فلسطين) حادي الركب وطنياً وقومياً وأخلاقياً على المستوى العربي.
في يومي «النكبة» و«النكسة» من عامنا الحالي ولد الحراك من المناسبة، وظل أسيراً لها، والمؤلم حقاً أن فاتورة الدم المدفوعة في الخطوة الثانية كانت باهظةً جداً في عدد الشهداء والجرحى، مع غياب تصور واضح للتحرك بشكل مستمر بالشكل الذي يضع ملف اللاجئين تحت ضوء الشمس والإعلام والرأي العام، كخطوة، والرفد بالمزيد من الأعداد تالياً في اعتصام مفتوح حتى العودة، بما يضمن سلامة الأرواح والأجساد.
كان الفلسطيني قرباناً.. وكأن على الفلسطيني، دائماً وأبداً، الموت أو «استخدامه» كورقة سياسية يراد بها التستر على عورات فاضحة، بينما فلسطين التي نشتهي لا تحتاج موتاً، بل تحتاج حيوات أبنائها ليصعدوا بها، ولتصعد بهم درةً للأوطان..
ناهيك عن هذا حاولت بعض القوى «المتقاعدة» نضالياً ووطنياً استثمار الحدث لأغراض تخص «بروظة» مناضلي المكاتب الخارجين على «ملة» الثورة وفلسطين.
لو أن الانتفاضة اشتعلت لكان لنا بحث آخر، لكن والحال هذه، وخاصة أما فاتورة دم فلكية، لابد من التوقف والتأمل في سبيل تهيئة المناخ لإعلان انتفاضة العودة، انتفاضة التحرير، وذلك على أسس ومقومات راسخة، واضحة محدّدة الأهداف... دون نزع فلسطين عن مجالها وسياقها العربي، وسوى ذلك نحن في مقامرة رعناء..
لا نقاش حول دم الشهيد، فدم الشهيد هو النقاش.. وهو منتهى القول والفعل..
دماء الشهيد الزكية التي صُبت لإرواء قضية فلسطين هي دماء في مجراها الصحيح، لكننا، نحن شباب فلسطين نتساءل عن النتائج..
حقاً.. ما النتيجة؟ ما النتيجة؟